دخلت الحرب الأوكرانية شهرها الرابع من دون بوادر في الأفق لحل سياسي، بينما تمضي القوات الروسية في تكثيف عملياتها العسكرية في دونباس، حيث تسعى لتطويق 3 مناطق في الإقليم، الذي يشهد تقدما روسيا واسعا.
وكان الجيش الروسي قد بدأ يوم 24 فبراير الماضي، عملية عسكرية "خاصة" استهدفت البنية التحتية العسكرية في جميع أنحاء أوكرانيا، بالإضافة إلى عدة مطارات ومنشآت رئيسية أخرى.
ولا يزال الجيش الروسي يسعى إلى تحقيق "انتصارات" عسكرية على الأراضي الأوكرانية، في الوقت الذي عدّل من خططه وسحب قواته من مناطق الشمال، للتركيز على "تحرير" إقليم دونباس.
ووفقًا لحاكم لوغانسك، فإن روسيا تحشد الوحدات التي انسحبت من منطقة خاركيف، والقوات التي كانت تحاصر ماريوبول الساحلية، إلى جانب مقاتلي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين، في قصفها على إقليم دونباس.
ويتقدم الروس عبر ثلاثة اتجاهات نحو ليسيتشانسك، أحدها من "سيفيرودونيتسك"، وهي بلدة لا يفصلها عن ليسيتشانسك سوى نهر سيفرسكي دونيتس، ويبذل الأوكرانيون جهودا كبيرة في المعركة لمنع القوات الروسية من عبوره.
أسابيع صعبة
ومنذ بدء العملية العسكرية، تمكنت أوكرانيا بمساعدات غربية واسعة من التصدي لتقدم القوات الروسية في العديد من المناطق، ومنها العاصمة كييف.
بيد أن روسيا غيّرت كثيرًا من خططها العسكرية لتركز في الوقت الراهن على توسيع مكاسبها في دونباس والساحل الشرقي الأوكراني.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في كلمته اليومية الاثنين، إن "الأسابيع المقبلة من الحرب ستكون صعبة، وينبغي أن نكون مدركين لذلك".
وأكد أن "الوضع القتالي الأكثر صعوبة الآن هو في دونباس"، مشيراً بالتحديد إلى بلدات باخموت وبوبسانا وسيفيرودونيتسك الأكثر تضرراً.
وأشار زيلينسكي إلى أن روسيا نفذت قرابة 1500 ضربة صاروخية وأكثر من 3000 ضربة جوية ضد أوكرانيا في الأشهر الثلاثة الأولى للحرب.
استراتيجيات متغيّرة
وأوضح الخبير العسكري والاستراتيجي سمير راغب، في تصريحات لـ"سكاي نيوز عربية"، أن الصراع بين موسكو وكييف على مدار الشهور الثلاثة الماضية، اتخذ أكثر من مرحلة، والتي كانت الأولى فيها تتمثل في تحرك الجانب الروسي في كافة الاتجاهات لخطف انتصار سريع.
وأوضح راغب أنه مع منتصف مارس الماضي بدأت الخسائر تظهر بشكل واضح في جانب القوات الروسية، لتبدأ مع الأيام الأولى من أبريل في الانسحاب من الجانب الغربي وتخوم العاصمة وكذلك من الشمال الشرقي، مع التركيز في الوقت الراهن على منطقة دونباس.
وبعد سيطرتها على ماريوبول، الأسبوع الماضي، بعد حصار دام ثلاثة أشهر، تسيطر القوات الروسية الآن على مساحة غير منقطعة إلى حد كبير في شرق وجنوب البلاد وحشدت المزيد من القوات للانضمام إلى القتال الرئيس في دونباس.
لكن الخبير العسكري يعتقد أن الجانب الروسي بالغ في السيطرة على ماريوبول، لأن مساحتها 165 كيلو متر، في حين كان المتحصنين داخل مصنع أوزفاستال في حدود 2200 شخص، منهم ميليشيات وقوات أوكرانية، لكنهم استسلموا بعد تضييق الخناق عليهم، لتصبح المدينة مدمرة بنسبة 95 بالمئة، كما هجرها الأهالي بنسبة 85 بالمئة.
وأشار راغب إلى أنه في المرحلة ما بعد الانسحاب من العاصمة كييف، أعاد الجانب الروسي قواته لرفع كفاءتها وركز في مناطق جنوب خاركيف مع محاولته التوسع، ومع بداية مايو بدت خاركيف عصية على السقوط، مع الحديث عن ترسانة جديدة تدخل المعركة بما فيها الصواريخ الأكثر مدى من صواريخ ستنغر سواءً البريطانية أو النرويجية أو صواريخ أنظمة من دول حلف وارسو السابق، ثم دخول مدافع هاوتزر الأميركية وقاذفات صواريخ وحاملات جند مدرعة.
صراع مفتوح
ويعتقد راغب أن الحرب تحولت إلى صراع مفتوح، إذ لم يحرز أي طرف انتصارا واضحا لصالحه، في حين تعتبر روسيا تلك الحرب استباقية لمنع تهديد أمنها القومي، فإن الناتو أصبح يدير حرب استنزاف تمنع موسكو من الاستيلاء على كييف أو تحقيق نصر حاسم.
وأوضح أن هناك ثقة متبادلة من الناتو بأن ما يقدمه من دعم لأوكرانيا يأتي بنتائج ناجحة، وكذلك تثق القيادة في كييف أن الحلف العسكري لن يتخلى عنهم وسيستمر في تقديم الدعم عسكريا واقتصاديا، كما أنه بات واضحًا النوايا الأميركية تجاه المعركة في جعل روسيا ضعيفة لا تهدد جيرانها.
ويتماشى ذلك مع إعلان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن قبل أيام، أن الولايات المتحدة تريد "رؤية روسيا ضعيفة استراتيجيا" كي لا تستطيع القيام بأي تحركات عسكرية مستقبلية في جوارها الإقليمي.
كما أرسلت دول الغرب كميات كبيرة من الأسلحة والأموال إلى أوكرانيا لمساعدتها في صد الهجوم الروسي، وردت على موسكو بست حزم من العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة.
وبحسب الخبير العسكري، فإن نجاح روسيا يعني هزيمة ضمنية للناتو والولايات المتحدة، كما أن هزيمة موسكو تعني انتصارًا حقيقياً للغرب، وبالتالي يبقى الصراع مستمرا إلى أن يحدث متغير يجعل أحد الأطراف يعيد التفكير في موقفه.