عشية اجتماع على مستوى القمة بين دول تحالف "كواد" الرباعي، بين الولايات المتحدة وأستراليا والهند واليابان، المقرر عقده الثلاثاء في طوكيو، تتصاعد نذر المواجهة بين واشنطن وبكين على وقع الزيارة التي قام بها الرئيس، جو بايدن، لكوريا الجنوبية واليابان، وما تخللها من إطلاق مواقف أميركية وردود أفعال صينية سيما حول قضية تايوان والتي لطالما مثلت عنوان الخلاف الأبرز بين الجانبين.
واعتبر الرئيس الأميركي، جو بايدن، الاثنين، أن الصين "تلعب بالنار" بشأن تايوان، مؤكدا أن الولايات المتحدة "ستساعد في الدفاع عن تايوان ضد أي غزو صيني".
وقال بايدن: "الولايات المتحدة سترد عسكريا إذا غزت الصين تايوان، هذا التزام قطعناه على أنفسنا".
ويحذر مراقبون للمشهد من أن ما يجري من مناكفات و"مكاسرات" بين واشنطن وبكين في جنوب وشرق آسيا وعموم منطقة المحيطين الهادئ والهندي، قد يقود لإشعال فتيل مواجهة جديدة في هذا الجزء من العالم لا تقل خطورة عن الأزمة الأوكرانية.
وحول تصاعد التوتر بين واشنطن وبكين، وارتفاع حدة نبرة التصريحات بينهما، يقول مهند العزاوي، الخبير العسكري والاستراتيجي، في حديث مع سكاي نيوز عربية: "تصريحات بايدن أحرجت المسؤولين الأميركيين خاصة وأن طريقة إدارة الحزب الديمقراطي للسياسة الخارجية، تعتمد استراتيجية الاقتراب غير المباشر عبر ترك الأوضاع والأمور تضطرب وإدارة خيوط لعبتها وتشابكها من بعد، وفي هذا السياق تسعى واشنطن لإشغال الصين وتوريطها ربما بحرب ضدها بالوكالة في تايوان".
لكن الصين، يستدرك العزاوي، "تسير على حبل مشدود وتنتظر ما ستتمخض عنه نتائج العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، وربما يسهم النجاح الروسي في بسط السيطرة على غالبية إقليم دونباس وصولا إلى ماريوبول وميكولايف وتكليل سيطرتها في أوديسا، في دفع الصين للتفكير في حسم أمرها هي الأخرى وشن عملية عسكرية لاستعادة تايوان كجزء من الصين الواحدة، وهو الأمر الذي تشدد عليه بكين دوما من أنها لن تتنازل عن كون تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها".
والولايات المتحدة في المقابل، يقول العزاوي: "اتخذت جملة خطوات تطويقية وتصعيدية حيال الصين، وهو ما تحاول تعزيزه ضمن إطار تحالف كواد الذي يضم لجانبها اليابان وأستراليا والهند، والذي يجتمع الثلاثاء بحضور بايدن، وتعزيز العلاقات مع كوريا الجنوبية والمناورات العسكرية معها في إطار التصدي لحليفة بكين في شبه الجزيرة الكورية، بيونغيانغ".
وهكذا تتقد جذوة نقاط الصراع والتماس حول العالم، كما يشرح المتحدث، مضيفا: "والتي لطالما وظفت كميادين ومسارح حروب ونزاعات بالوكالة بين القوى الدولية الكبرى، من جزر الكوريل إلى الكوريتين إلى تايوان".
ويضيف العزاوي: "التشكيل الاقتصادي الجديد الذي أعلنت عنه واشنطن من 13 دولة هو محاولة للحد من قدرات الصين الاقتصادية، وهكذا تتواتر المؤشرات التي تفيد إلى أن الجبهة الجديدة ما بعد الصراع الأوكراني، ستكون منطقة المحيطين الهادئ والهندي كمسرح صراع مفتوح ومتعدد الأدوات بين الصين والولايات المتحدة تحت يافطة موضوع تايوان".
فالصين، كما يقول الخبير العسكري والاستراتيجي: "ترى أن منطقة الإندوباسفيك (المحيطين الهندي والهادئ) وممراتها وطرقها البحرية الاستراتيجية، هي مناطق نفوذها التقليدية ومجالاتها الحيوية الأولى، وأنها بالتالي القوة الرئيسية فيها ولا تقبل بمنازعتها، حتى أنها أسست لأرخبيل بحري مؤلف من نحو 22 جزيرة اصطناعية، لتعزيز حضورها وانتشارها في هذه المناطق التي تعتبرها حدائق خلفية لها، علاوة على حشدها القوات وتنظيم المناورات العسكرية وآخرها تمت على وقع زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، للمنطقة، وهكذا فنحن أمام كسر إرادات وصراع الفيلة الكبار وسط عالم خزفي مضطرب، ولا بوادر تلوح لحلول وسط أو نقاط التقاء".
بدوره يقول الكاتب والباحث السياسي، جمال آريز، في لقاء مع سكاي نيوز عربية: "في ظل صراعات النفوذ والمصالح والهيمنة بين الكبار، يذهب كالعادة الصغار والضعفاء ضحية أولى، وهنا فإن الدرس الأوكراني ماثل أمامنا حيث البلاد تكاد تدمر وهي حتى لو توقفت الحرب الآن، فإنها بحاجة لسنوات طويلة ولميزانيات ضخمة كي تستعيد بعض العافية، ويبدو واضحا أن تايوان أيضا ربما تكون أشبه بأوكرانيا ثانية محتملة في حال استمرار مسلسل التصعيد المتبادل بين واشنطن وبكين على ما نشاهد الآن".
ويضيف: "فتفعيل ورقة تحالف كواد الرباعي الأسترالي الهندي الياباني الأميركي، أمام الصين سيقود بداهة لتفعيل التحالف الصيني الروسي الكوري الشمالي، وهكذا سنكون غالبا أمام حلقة مفرغة من ردود الأفعال التصعيدية المتبادلة والاصطفافات الحادة، وتاليا تعقيد متزامن ومتضافر للأزمتين الأوكرانية والأخرى التي تعتمل في منطقة المحيطين الهادئ والهندي".
وخلال زيارته لكوريا الجنوبية، كان بايدن قد تحدث عن "منافسة عالمية بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية"، قائلا إن منطقة آسيا والمحيط الهادئ "تشكل ساحة معركة رئيسية".
ومن جانبه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ ون، إن الصين لن تسمح لأي دولة من دول العالم بالتدخل في سياستها الداخلية، بما في ذلك قضية تايوان، والتي هي "أرض صينية، وقضيتها تنتمي إلى شؤون السياسة الداخلية للصين، ونحث الولايات المتحدة الأميركية على الالتزام بمبدأ الصين الموحدة، وبأحكام البيانات الثلاثة المشتركة بين البلدين".
داعيا الولايات المتحدة لعدم إساءة التقدير والاستهانة بالعزيمة القوية والإجماع والقدرات القوية للشعب الصيني على حماية السيادة الوطنية وسلامة الأراضي الصينية.
وكان وزير خارجية الصين، وانغ يي إن، قد قال، الأحد، أن "الاستراتيجية الدبلوماسية الأميركية في آسيا محكوم عليها بالفشل"، بحسب ما نقلت عنه وكالة شينخوا الصينية الرسمية للأنباء.
وقال الوزير الصيني: "ما يسمى باستراتيجية المحيطين الهندي والهادئ التي تعتمدها الولايات المتحدة، هي في جوهرها استراتيجية لإثارة الانقسام والتحريض على المواجهة وتقويض السلام، وبغض النظر عن كيفية تغليفها أو إخفائها، فإنها ستفشل حتما في النهاية".
وشدد وانغ على أن الولايات المتحدة تعمل على "تشكيل تكتلات صغيرة باسم الحرية والانفتاح"، مشيرا إلى أن هدفها هو "احتواء الصين"، حسبما نقلت "فرانس برس".
وأضاف: "إن الأمر الخطير خصوصا هو أن الولايات المتحدة تلعب بورقة تايوان وورقة بحر الصين الجنوبي لإحداث فوضى في المنطقة".