بعد هزيمة أحزاب اليسار في الانتخابات الرئاسية التي عرفت فوز مؤسس حزب "الجمهورية إلى الأمام"، إيمانويل ماكرون، بولاية ثانية، يسعى حزب "فرنسا الأبية" بقيادة جان لوك ميلانشون لخوض "جولة ثالثة" في الانتخابات التشريعية الفرنسية المقررة في 12 و19 يونيو المقبل ومنع الرئيس الفرنسي من الحصول على الأغلبية في البرلمان.

حقق زعيم حزب "فرنسا الأبية" تحالفا تاريخيا بين أحزاب اليسار وجمع بين حزبه والحزب الاشتراكي والخضر والشيوعيين في مسعى لفرض حالة "التعايش" على ماكرون.
فماذا يعني "التعايش" وهل تكون سابقة في تاريخ الجمهورية الخامسة؟

يعرّف الموقع الرسمي للمجلس الدستوري التعايش بأنه "وضع سياسي يكون فيه رئيس الجمهورية وأغلبية النواب ذوي ميول سياسية معاكسة".

وللحصول على أغلبية مطلقة، يلزم الحصول على 289 مقعدا من أصل 577 نائبا. وإذا وصل ائتلاف سياسي مغاير لحزب الرئيس إلى هذه العتبة أو تجاوزها، فسيتم فرض حالة "التعايش".

وشهدت فرنسا في ظل الجمهورية الخامسة ثلاث حالات "تعايش" بعد فوز معارضة الرئيس في الانتخابات التشريعية.

أخبار ذات صلة

ماكرون في مهمة شاقة لحسم الانتخابات التشريعية وتشكيل الحكومة
الانتخابات الفرنسية.. من الأوفر حظا في الجولة الثانية؟

ووفقا لأستاذ القانون العام بجامعة باريس "بانتيون-أساس" والمحلل السياسي، بنجامين موريل في تصرحيه لموقع "سكاي نيوز عربية"، فقد وقعت الأولى بين عامي 1986 إلى 1988، عندما عين الرئيس الفرنسي السابق وزعيم حزب الاشتراكيين، فرانسوا ميتران، ممثل حزب "التجمع من أجل الجمهورية"، جاك شيراك كرئيس للوزراء. والثانية خلال الفترة ما بين 1993 إلى 1995 التي عرفت حكم ميتران لولاية الثانية مع إدوارد بالادور عن حزب "التجمع من أجل الجمهورية". وكانت الأخيرة بين جاك شيراك كرئيس والاشتراكي، ليونيل جوسبان من 1997 إلى 2002".

ومنذ ذلك الحين، يحصل الرئيس المنتخب على أغلبية في الجمعية الوطنية من خلال الانتخابات التشريعية التي تعقب مباشرة الانتخابات الرئاسية.

الشلل أو التوافق؟

ولا يرى المحلل السياسي في حالات "التعايش" التي مضت أي شلل يذكر أو خلل في توزيع الصلاحيات بين الرئيس ورئيس الوزراء.

"ففي حالة "التعايش" وتقاسم السلطة، يتم تأطير دور رئيس الجمهورية في تعيين رئيس الوزراء الذي يجب أن يحظى بثقة البرلمان وترأس مجلس الوزراء وتوقيع المراسيم وحل الجمعية الوطنية".

أخبار ذات صلة

رغم فوز ماكرون.. "الأصوات البيضاء" والامتناع يتسيّدان الموقف
يساري فرنسي يفجر جدلا بسبب "الحكومة النازية"

 

وفي حالة "الحل" المسموح بها مرة في السنة، يتم تنظيم تصويت جديد، ويمكن للأغلبية البرلمانية أن تتغير، مما يسمح لرئيس الجمهورية باختيار رئيس وزراء جديد.

ويوضح موريل، "وفقًا للدستور الفرنسي، فإن السياسة الداخلية للدولة منوطة بشكل واضح بأعضاء الحكومة. إذ أن رئيس الوزراء يوجه عمل الحكومة ويضمن تنفيذ القوانين وهو مسؤول عن الدفاع الوطني وفق المادتين 20 و21".

ومن ناحية أخرى، ينص الدستور بحسب المادة 5 على أن رئيس الدولة هو "ضامن الاستقلال الوطني وسلامة التراب الوطني" و"رئيس الجيوش" و"يترأس المجالس واللجان العليا الوطنية".

وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ينص الدستور على أن الرئيس يتفاوض ويصادق على المعاهدات الدولية (المادة 52) ويعتمد السفراء (المادة 14).

ومع هذا التقاسم في السلط الخاص بالدفاع والسياسات الخارجية، لا يستبعد أستاذ القانون العام أن "تحدث بعض المشاكل في حال حصل اليسار على الأغلبية لأنه اليوم هناك اختلافات حقيقية بين الطرفين. سيتقيد الرئيس وستضعف صلاحيته، وإذا أرادت الأغلبية أيا كانت تحقيق شلل في المؤسسات فسيكون لها ذلك".

ومن جهة أخرى، قد تتعسر من جانب الرئيس الذي قد بلعب دور المعارضة. ففي فترة التعايش، يجب أن توقع المراسيم الصادرة في مجلس الوزراء من قبل رئيس الجمهورية.

وهنا، يمكن أن تنشأ الخلافات كما حدث مثلا خلال التعايش الأول، حيث رفض ميتران التوقيع على العديد من القوانين الصادرة عن حكومة شيراك".

فرنسا.. تحالف بقيادة ميلانشون لتعزيز الجبهة ضد ماكرون

 لكن وبحسب موريل "في المطلق، ومن خلال تجارب "التعايش" الثلاث، لم يكن هناك شلل كبير في تمرير مجمل القوانين أو عرقلة في سن المراسيم. حتى مع شيراك وميتران ورغم الهوة الواسعة بينهما استطاعا صنع توافق ناجح".

وأخيرًا، يقول المحلل الفرنسي، "يحتفظ رئيس الدولة بسلطة تسمية رئيس الوزراء وماكرون غير مقيد باختيار اليساري ميلانشون. لأنه لا يوجد التزام في النصوص بتعيين زعيم الأغلبية كرئيس للوزراء. هو سيختار من يشاء وقد يعيد تنصيب جان كاستكس وقد يسير على نهج رؤساء التعايش السابقين الذين اختاروا رئيس الوزراء من أحزاب الأغلبية كحكومة ميتران وشيراك بحكم أن القاعدة المتعارف عليها هي أن رئيس الوزراء هو زعيم الأغلبية البرلمانية".