على نحو سريع، تمضي فنلندا نحو الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، بعد موافقة البرلمان على تلك الخطوة بأغلبية كبيرة، على الرغم من التحذيرات الروسية المتكررة من التداعيات.
وقرر الرئيس الفنلندي ساولي نينيستو، إخطار حلف الناتو رسمياً باهتمام بلاده بالمشاركة في محادثات الانضمام إلى الحلف، وتعيين وفد للمشاركة في تلك المحادثات، بالتزامن مع اتخاذ السويد قرارا مشابهًا بهدف تقديم طلب مشترك للبلدين.
ووفق مراقبين ومحللين في الشؤون العسكرية، فإن فنلندا سعت خلال الفترة الماضية لتأمين احتياجاتها العسكرية، وتعزيز قدراتها بشكل ملحوظ، بشكل أقرب إلى خطة شاملة للتحديث العسكري، في وقت تنشد الحصول على "الضمانات الأمنية" الكافية خلال الفترة الانتقالية للانضمام إلى الناتو.
ودفعت العملية العسكرية التي شنتها روسيا في أوكرانيا، إلى تغيير تاريخي في موقف فنلندا بشأن الانضمام لحلف "الناتو"، بعدما بقيت محايدة خلال الحرب الباردة، في مقابل تأكيدات من موسكو بأن القوات السوفياتية لن تغزو أراضيها.
وفي تصريحات لـ"سكاي نيوز عربية"، قال الخبير الاقتصادي الفنلندي، إيكا كورهونين، إنه "بالنظر إلى ميزانيتنا الدفاعية، فنحن بالفعل خصصنا 2 في المئة تقريبًا من الناتج المحلي الإجمالي لدعم الجيش، وهو يضاهي إرشادات الناتو".
وفي أبريل الماضي، وافقت الحكومة الفنلندية على زيادة الإنفاق العسكري بأكثر من ملياري يورو أي نحو 2.2 مليار دولار، بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
تطوير القدرات العسكرية
من جانبه، يرى الباحث المتخصص في الشؤون العسكرية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية محمد منصور، أنه بشكل عام يمتلك الجيش الفنلندي وحدات برية وجوية جيدة التسليح والتدريب، قوامها 280 ألف جندي عامل، بجانب قوة احتياط تقدر بـ 900 ألف جندي.
وأضاف منصور في تصريحات لـ"سكاي نيوز عربية"، أن هلسنكي بدأت مؤخرًا في خطة شاملة للتحديث العسكري، تضمنت شراء 64 مقاتلة متعددة المهام من نوع "إف-35"، بقيمة تتجاوز ثمانية مليارات دولار، وهي قوة جوية لا يستهان بها، ستساهم في حال تسليمها بشكل كامل، في الدوريات الجوية لحلف الناتو فوق بحر البلطيق.
وستحل الطائرات الجديدة محل الطائرات من طراز إف-18 هورنيت، وترفع هذه الصفقة مخصصات الدفاع في فنلندا إلى أكثر من 2 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد.
يضاف إلى هذه الخطوة، إعلان وزير الدفاع الفنلندي مؤخراً، عن زيادة الموازنة الدفاعية لبلاده بنسبة تصل إلى 40 بالمائة بحلول عام 2026، لتتجاوز سبعة مليارات يورو سنوياً، مقارنة بالموازنة الدفاعية للعام الحالي التي تقدر بخمسة مليارات يورو، وفق خبير الشؤون العسكرية.
وأوضح أن هذه المخصصات ستكون مكرسة لشراء منظومات جديدة مضادة للدبابات وأنظمة صاروخية متنوعة، بجانب أنظمة للدفاع الجوي، وقد بدأت فنلندا بالفعل في التواصل مع بعض الدول لتحديث دفاعاتها الجوية، ناهيك عن دخولها في مباحثات للتعاون الدفاعي، مع دول أخرى مثل المملكة المتحدة.
وتعتزم فنلندا إنفاق 1.74 مليار يورو على شراء المعدات مثل الأسلحة و163 مليون يورو لشراء طائرة مراقبة لحراسة الحدود، بحسب تصريحات سابقة لوزيرة المالية الفنلندية أنيكا ساريكو.
كما قررت الحكومة الفنلندية توفير أي تمويل مطلوب للدفاع أو تأمين الحدود أو الأمن السيبراني، حتى لو لم يكن مدرجا في الميزانية.
استنفار عسكري
ويشير "منصور" إلى أن الاستنفار الفنلندي على المستوى العسكري كان واضحاً خلال التدريبات العسكرية الأخيرة، التي شارك فيها أكثر من 3 آلاف جندي فنلندي، إلى جانب مئات الجنود الأميركيين والبريطانيين والإستونيين واللاتفيين.
وأوضح أن فنلندا تستهدف من هذه التدريبات اختبار توافقها مع الأنظمة العسكرية التسليحية والإدارية العاملة في حلف الناتو.
كما نفذت أواخر الشهر الماضي، تدريبات بحرية شاركت فيها لاتفيا وإستونيا وهولندا، تم فيها إعداد البحرية الفنلندية للمشاركة في قوات الرد التابعة لحلف الناتو.
ومع ذلك، تجري هلسنكي محادثات مع دول رئيسية، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا، للحصول على ضمانات بتوفير الحماية لها خلال فترة الترشح للناتو.
وتشترك فنلندا مع روسيا في حدود يبلغ طولها أكثر من 1330 كيلومترا، هي الأطول لدولة في الاتحاد الأوروبي مع موسكو، ومع ظل لكنها بقيت محايدة خلال الحرب الباردة.
لكنها لا تزال واحدة من دول الاتحاد الأوروبي القلائل التي لم تُنه التجنيد الإجباري، أو تخفض الإنفاق العسكري بدرجة كبيرة، رغم انتهاء الحرب الباردة.
وانضمت فنلندا التي يبلغ عدد سكانها 5.5 ملايين نسمة إلى الاتحاد الأوروبي، وهي تقيم شراكة وثيقة مع "الناتو" لا سيما في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية والموارد.