على مدار سنوات، عملت فنلندا على تعزيز إمكانياتها الدفاعية والأمنية إلا أنها تشهد مؤخرا استعدادات داخلية مكثفة بالتوازي مع اعتزامها الانضمام لحلف شمال الأطلسي، ما عدّه محللون "تحسبا لتوسّع رقعة الصراع بين روسيا وأوكرانيا بعد تهديدات صريحة من موسكو بخطوات انتقامية".
ووفق صحيفة "فايننشال تايمز" فإنه مع بداية حرب أوكرانيا عززت فنلندا مخزوناتها الاستراتيجية من الإمدادات لتلبي احتياجات فترة لا تقل عن 6 أشهر من جميع أنواع الوقود والحبوب الرئيسة، في حين عملت شركات الأدوية على تأمين مخزون يكفي من 3-10 أشهر من جميع الأدوية المستوردة.
كما بذلت الدولة، التي تملك أكبر حدود مع روسيا، جهودا حثيثة من أجل تعزيز قوة جيشها، وفي الوقت الحالي، فإن ما يقارب ثلث السكان البالغين في الدولة الاسكندنافية ضمن الجيش الاحتياطي، ما يعني أن فنلندا لديها أحد أكبر الجيوش في أوروبا مقارنة بحجمها، وكذلك تقدمت هلسنكي بطلب لشراء 64 طائرة من طراز F-35 من شركة لوكهيد مارتن، بتكلفة تزيد على 9 مليارات دولار.
وأشارت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية إلى أن فنلندا أنشأت أكثر من 500 مأوى تحت الأرض منحوتة في الأساس الصخري للعاصمة هلسنكي، قادرة على استيعاب 900 ألف شخص، لافتة إلى أن الملاجئ التي بدأ تدشينها منذ الستينيات لم يهتم الفنلنديون بها منذ عقود، وكانوا يستخدمونها كمخازن، لكن حرب أوكرانيا جعلتهم يفكرون في الاستعداد لأنفسهم وعائلاتهم.
وفنلندا دولة تابعة للاتحاد الأوروبي، وتمتلك حدود مع روسيا بطول 1340 كيلومتراً، وتعرضت للغزو من قبل الاتحاد السوفيتي أثناء الحرب العالمية الثانية، وهي واحدة من دول الاتحاد القلائل التي لم تُنه التجنيد الإجباري، أو تخفض الإنفاق العسكري بدرجة كبيرة، بعدما وضعت الحرب الباردة أوزارها.
ومن شأن اعتزام فنلندا التقدم بطلب الانضمام إلى حلف الأطلسي، الذي أعلنت عنه الخميس الماضي، وطلب السويد التالي المتوقع، توسعة الحلف الذي استهدف الرئيس الروسي فلاديمير بوتن منعه بالهجوم على أوكرانيا.
وترى موسكو في الحلف تهديدا استراتيجيا على نفوذها في المنطقة، وتُطالب بعدم اقترابه من حدودها، بينما يدافع الحلف عن سياسة الأبواب المفتوحة أمام انضمام الدول إليه، وسيادة تلك الدول على ذلك القرار.
هجمات إلكترونية واستفزازات
وقال الأكاديمي والمحلل السياسي، آرثر ليديكبرك، إن انضمام فنلندا سيكون له تأثير كبير على روسيا حيث يضاعف حجم الحدود البرية لروسيا مع الناتو، ويطوق موانئها على بحر البلطيق.
وأضاف ليديكبرك، في حديث لـ"سكاي نيوز عربية"، أنه رغم حياد فنلندا على مدار العقود الماضية إلا أنها لم تسلم من استفزازات روسية في المجالين الجوي والبحري كرسائل ردع حتى لا تفكر في الانحياز للمعسكر الغربي وهو ما قد يزداد في الفترة المقبلة.
فيما استبعد أن تكون التهديدات الانتقامية الروسية على غرار عمل عسكري في الوقت الحالي خاصة أنها واجهت عراقيل كثيرة في أوكرانيا ولن تغامر أن تدخل في معركة جديدة مع دولة أكثر استعدادا، فيما توقع أن تشهد الفترة المقبلة هجمات سيبرانية روسية ضد البنية التحتية الفنلندية، غير أنه أكد على أن فنلندا تملك أنظمة متطورة للغاية قادرة على مواجهة أي هجوم مماثل.
وأشار إلى أن فنلندا اعتادت العيش لعقود بجوار قوة معادية محتملة على حدودهم، وتمتلك جيشا قويا ومجهزا تجهيزا جيدا وأجرى تدريبات منتظمة مع دول بالناتو، وجيشها مدمج بشكل جيد بالفعل مع أنظمة الناتو العسكرية.
تهديدات روسية
وردا على إعلان هلسنكي نيتها الانضمام للناتو، حذرت الخارجية الروسية من أن ذلك سيلحق ضررا خطيرا بالعلاقات الثنائية، مؤكدة أن "موسكو ستضطر إلى اتخاذ خطوات انتقامية، من أجل وقف التهديدات لأمنها القومي التي تنشأ في هذا الصدد".
كما اعتبر الكرملين أن انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي سيمثّل بالتأكيد تهديدا لروسيا، مشددا على أن توسع الناتو واقتراب الحلف من حدودنا لا يجعل العالم وقارتنا أكثر استقراراً وأمناً.
وفي مكالمة هاتفية، السبت، أخبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتن نظيره الفنلندي، سولي نينيستو، أن قرار هلسنكي الانضمام إلى الناتو "خاطئ" ويمكن أن يكون له "تأثير سلبي" على العلاقات الروسية الفنلندية.