فيما عده مراقبون توقيتا قد يكون مقصودا، وقع الرئيس الأميركي، جو بايدن، في نفس اليوم المصادف لاحتفال روسيا بيوم النصر على النازية في ألمانيا في الحرب العالمية الثانية في 9 مايو، على قانون الإعارة والتأجير الخاص بدعم أوكرانيا.
ويأتي ذلك رغم تعالي التحذيرات الروسية للدول الغربية من مغبة المضي في تزويد أوكرانيا بالأسلحة والمساعدات العسكرية، حيث تواصل واشنطن وحليفاتها في حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) مد كييف بالسلاح، ووصل الأمر لحد وضع قوانين وتشريعات برلمانية خاصة بتقديم الدعم العسكري لأوكرانيا، كما حصل في الولايات المتحدة مع إقرار مجلس النواب الأميركي، قبل أيام قليلة بأكثرية ساحقة تشريع برنامج "ليند ليز"، القاضي بالسماح للإدارة الأميركية بإحياء قانون يعود لحقبة الحرب العالمية الثانية لتزويد أوكرانيا بالأسلحة بوتيرة سريعة.
ويرى مراقبون وخبراء عسكريون في توقيع بايدن على هذا القانون الصادر من الكونغرس لإدخاله حيز التنفيذ، مؤشرا إلى أن واشنطن ماضية في طريق تسليح أوكرانيا بشكل أكثر نوعية وشمولا مع اقتراب الحرب الروسية الأوكرانية من إكمال شهرها الثالث، ومشيرين إلى أن إقرار الكونغرس بمجلسيه، الشيوخ والنواب وبأصوات غالبية ممثلي الحزبين الديمقراطي والجمهوري، يعني أن إقرار هذا القانون يحظى بدعم سياسي جامع في البلاد.
فيما يحذر مراقبون آخرون من التبعات الخطيرة لإقرار وإحياء هكذا قوانين يرتبط بعضها بحقب عالمية دموية، كونها قد تمثل نذير شؤم وعلامة على أن تاريخ الحروب العالمية قد يعيد نفسه، وتمثل صبا للزيت على نار الحرب الأوكرانية وربما تقود حتى لصدام عسكري مباشر بين موسكو وواشنطن.
فرغم أن الكثير من المؤرخين والمتخصصين يتفقون على أن الدعم الأميركي المقدم وفق قانون "ليند ليز" للدول المواجهة للمحور الثلاثي، شكل نقطة تحول في ميزان القوى العالمي إبان الحرب العالمية الثانية، وأسهم لحد كبير في ترجيح كفة الحلفاء خلالها وتاليا هزيمة المحور، لكن الانخراط الأميركي المباشر في تلك الحرب آنذاك والذي جاء على شكل رد نووي على الهجوم الياباني في بيرل هاربور، يثير مخاوف جدية وفق مراقبين للمشهد الدولي المضطرب على وقع الحريق الأوكراني، من محاولات استنساخ قوانين وتجارب تلك الحقبة القاتمة من تاريخ العالم واسقاطها على الأزمة الأوكرانية، من هذا الطرف كانت أو ذاك.
وللإحاطة بالخلفيات التاريخية لهذا القانون الأميركي الجديد القديم، وتفاصيله وما سيترتب على إقراره والتوقيع عليه من قبل الرئيس الأميركي، يقول مسعود معلوف، الدبلوماسي السابق والخبير في الشؤون الأميركية، في حوار مع سكاي نيوز عربية :"واشنطن تستند في سعيها لتزخيم الدعم العسكري لأوكرانيا، على قانون ليند ليز الشهير الذي صدر قبل أكثر من 8 عقود في بدايات الحرب العالمية الثانية وتحديدا في 11 مارس 1941، وقبل ذلك كان هناك قانون أميركي موضوع منذ العام 1930 يفرض على الولايات المتحدة الأميركية الحياد إذا ما حصلت حروب بين دول أخرى".
مستطردا: "لكن مع اندلاع الحرب العالمية الثانية ورغم أن واشنطن التزمت الحياد فيها بداية، غير أنها مع الحاح رئيس الوزراء البريطاني آنذاك وينستون تشرتشل على الرئيس الأميركي، فرانكلين روزفلت، ومطالبته بتقديم المساعدة لبريطانيا التي كانت في موقف صعب جدا خلال الحرب، وافقت واشنطن على تقديم المساعدات العسكرية تدريجيا لبريطانيا ومن ثم للاتحاد السوفييتي والصين، ومع تعرضها لهجوم بيرل هاربور من قبل اليابان في نهاية العام 1941، تخلت واشنطن عن حيادها ودخلت الحرب لجانب الحلفاء".
ويضيف معلوف: "واشنطن ليست محايدة الآن في الأزمة الأوكرانية بطبيعة الحال، ولكنها لا تريد كذلك الدخول في حرب مدمرة مع روسيا قد تتطور لنزاع نووي، وكحل وسط هي تعمل على إحياء هذا القانون عبر إصدار قانون مشابه له وبنفس الاسم والذي يعني الاعارة والتأجير، بمعنى أن واشنطن فقط كانت تؤجر وتعير الأسلحة والمعدات الحربية من بواخر ودبابات وغيرها للدول الصديقة في الحرب العالمية الثانية".
وهو ما يحاول بايدن تطبيقه مجددا مع أوكرانيا حاليا، كما يوضح الدبلوماسي السابق، مضيفا: "مع ملاحظه أن القانون القديم انتهى مفعوله في 20 سبتمبر من العام 1945 مع نهاية الحرب العالمية الثانية، والصيغة الجديدة المستوحاة منه التي أقرها الكونغرس تختلف عن السابق، والتي مررها مجلس الشيوخ بإجماع أصواته المئة، ومجلس النواب بأغلبية ساحقة، وهو في المكتب البيضاوي للتوقيع عليه وليصبح نافذا".
ويسترسل المتحدث في شرح خطوات ما بعد تبني القرار: "على وقع اقرار هذا التشريع، قدم بايدن إلى الكونغرس طلبا للموافقة على تخصيص مبلغ 33 مليار دولار لدعم أوكرانيا، وهذا المبلغ ما زال قيد الدرس في مجلسي الشيوخ والنواب التابعين للكونغرس، لكن حال تخصيصه سيذهب القسم الأكبر منه للمساعدات العسكرية المباشرة كما سيخصص 8 مليارات منها لمساعدة كييف في تسيير الشؤون الادارية والخدمية، كي تستطيع الاستمرار في دفع الرواتب وتأمين الخدمات الرئيسية كالكهرباء، علاوة على مساعدات إنسانية متعددة".
لكن ألا يعكس إقرار هذا القانون استحضارا لأجواء الحرب العالمية الثانية وزمنها، يجيب معلوف: "بطبيعة الحال من أهم بواعث إعادة إحياء هذا القانون وتوقيع بايدن عليه، هو القول إن إقراره في حينها كان السبب الأبرز في هزيمة هتلر ودول المحور في الحرب العالمية الثانية، وربما يراد القول هنا أن المأمل من سن واعتماد هذا القانون الأميركي الجديد هو هزيمة بوتن هذه المرة".
فهل يمكن أن يقود هذا القانون لسيناريوهات كارثية شبيهة بما حدث من هجوم ياباني في بيرل هاربور على الأميركيين، وما تبعه من استخدام السلاح النووي من قبل واشنطن ضد اليابان، كما يحذر مراقبون، يرد الخبير بالشؤون الأميركية: "مع الأسف كل شيء وارد في ظل هذه الأوضاع الدولية المتأزمة والمحتدة، ورغم أن وتيرة التحذيرات والتهديدات الروسية ترتفع على وقع الإيغال الغربي في تسليح كييف لكن واشنطن لا تأبه لذلك".
وهكذا ثمة تصعيد متبادل بين الطرفين وتتفاقم الأزمة بشكل خطير، كما يرى معلوف، الذي يتابع: "خاصة وأن لا أحد يعتقد أن بوتن سيتراجع ويقبل بهزيمة روسية في أوكرانيا، ولهذا فغاية هذا القانون الأميركي الجديد القديم هي العمل قدر المستطاع على عدم تمكن موسكو من تحقيق نصر قريب، واستنزافها لأقصى حد ممكن".
يذكر أن برنامج "ليند ليز" يسمح للإدارة الأميركية بتقديم مساعدات طارئة لحلفائها في حال كانت المخاطر الأمنية التي تواجههم داهمة بالنسبة للولايات المتحدة.
ووفق البرنامج بإمكان واشنطن تقديم مساعدات عسكرية للحلفاء واسترجاع المعدات إن كانت صالحة وضرورية بالنسبة لواشنطن بعد زوال الخطر، وبإمكانها أيضا منح قروض طويلة الأجل للحلفاء ليدفعوا ثمن تلك المساعدات.
ويستند التشريع الجديد لقانون الإعارة والتأجير لعام 1941، الذي طرحه الرئيس الأميركي الأسبق، فرانكلين روزفلت، للمساعدة خصوصا في تسليح الجيش البريطاني ودعمه ماليا ولوجستيا والذي كان يحارب ألمانيا النازية آنذاك، والذي توسع فيما بعد ليشمل مساعدة مختلف جيوش الحلفاء كالجيش الأحمر السوفييتي، في مواجهة جيوش دول المحور الألماني الإيطالي الياباني.
هذا وكان قد صوت لصالح مشروع القانون الجديد 417 نائبا مقابل 10 نواب ضده في مجلس النواب الأميركي.
فيما صادق مجلس الشيوخ الأميركي بكامل أعضائه البالغين 100 عضو، على مشروع القانون في بداية شهر أبريل الجاري.