على وقع حرب أوكرانيا، تعيش مولدوفا أجواء من الترقب والقلق خشية هجوم روسي محتمل، تتحدث عنه تقارير غربية على مدار الأسابيع الماضية.
وبخلاف الحرب الأوكرانية، فالمخاوف من اتساع رقعة النزاع تصاعدت عقب التفجيرات المتتالية التي هزت منطقة ترانسدنيستريا الانفصالية الموالية لروسيا في مولدوفا.
كما زاد من ذلك إدراج رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، الحليف الرئيس للكرملين، خلال وقت سابق، منطقة ترانسنيستريا على خريطة معركة الأصول الروسية بأوروبا الشرقية.
ترتيبات أمنية ودعم أوروبي
على مدار الأيام الماضية، شهدت العاصمة تشيسيناو، تحضيرات سياسية، إذ عقد مسؤولو الحكومة والمعارضة محادثات لتهدئة التوترات السياسية بينهما لتوحيد البلاد ضد أي هجوم محتمل.
ويقول المسؤولون في مولدوفا إن البلاد بحاجة إلى الاستعداد لمواجهة التهديدات الناشئة عن الصراع المجاور بأوكرانيا، وفقا لصحيفة "إندبندنت" البريطانية.
وطالب وزير خارجيتها نيكو بوبيسكو، الغرب بتقديم دعم مالي وسياسي، قائلا: "نحن الجار الأكثر هشاشة لأوكرانيا ووضعنا معقد على جميع الجبهات".
وعلى غرار أوكرانيا، كانت الدولة البالغ مساحتها نحو 33 ألف كيلومتر مربع، هدفًا لعمليات النفوذ الروسي منذ فترة طويلة، وفقا لمصادر إعلامية أميركية.
ومنذ شهر مارس الماضي، توافد على هذا البلد، الذي يعد بين الأفقر في أوروبا، عدد من المسؤوليين؛ أبرزهم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، في رسالة إلى روسيا بأن الغرب لن يترك مولدوفا بمفردها.
وزيارة بلينكين، جاءت لإظهار الدعم للرئيسة الموالية للغرب مايا ساندو، بينما أعلن ميشال أن الاتحاد الأوروبي سيدعم مولدوفا عسكريا ويخطط لتسليمها معدات عسكرية.
أما وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان ونظيرته الألمانية أنالينا بيربوك، فأعلنا الأسبوع الماضي، عزم بلديهما دعم تشيسيناو.
وعلى عكس أوكرانيا، يكرس دستور مولدوفا الحياد في الصراع بين الشرق والغرب، ولطالما صرح المسؤولون المحليون بأن البلاد لن تسعى إلى عضوية حلف الناتو.
أزمة ترانسنيستريا
وتحولت منطقة ترانسنيستريا الانفصالية عن مولدوفا والمتاخمة لجنوب غرب أوكرانيا إلى بؤرة ساخة، بعد أن عدلت روسيا خطتها العسكرية للسيطرة على إقليم دونباس شرقي أوكرانيا.
ووفقا لحديث الجنرال الروسي رستم مينكاييف، فإن روسيا تسعى إلى "إنشاء ممر عبر جنوب أوكرانيا إلى ترانسنيستريا الانفصالية في مولدوفا".
ويقول الدكتور أشرف الصباغ، المختص في الشأن الروسي، إن ترانسنيستريا انفصلت عن مولدوفا بعد حرب أهلية قصيرة في التسعينيات وهي منطقة تدعمها موسكو اقتصاديا وعسكريا، وتعد إحدى جيوب النفوذ الروسي في أوروبا الشرقية.
ويضيف، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن روسيا تزود هذه المنطقة بالغاز مجانا وتنشر فيها 1500 جندي، لافتاً إلى أن "هدف روسيا في تلك البؤرة تعقيد انضمام مولدوفا إلى الاتحاد الأوروبي بعد تقديمها طلبا في مارس الماضي".
الوضع العسكري
من الناحية العسكرية، فمولدوفا من الدول الضعيفة، وقد تلقت مساعدة عسكرية من رومانيا خلال حربها مع الانفصاليين الموالين لروسيا في ترانسنيستريا خلال التسعينيات.
وتعداد القوات المسلحة المولدوفية غير كبير، إذ يبلغ وفق تقارير عسكرية، نحو 11 ألف جندي ومتطوع أو أقل، وقد قبلت مولدوفا السيطرة على جميع أسلحتها ذات الصلة بالاتحاد السوفياتي السابق.
وفي 30 أكتوبر 1992، صادقت على معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، كما انضمت البلاد إلى أحكام معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في أكتوبر 1994، وبذلك لا تملك أسلحة نووية أو بيولوجية أو كيميائية، فضلا عن انضمامها لشراكة منظمة حلف الناتو من أجل السلام في 16 مارس 1994.
التحالف مع رومانيا
يشترك سكان مولدوفا أيضا في اللغة والتاريخ مع رومانيا، ويحمل 40 بالمئة على الأقل منهم جواز سفر رومانيا، الدولة العضو بالاتحاد الأوروبي.
وفي سياق ذلك، يرى رئيس وزراء مولدوفا السابق، يوري ليانكه، أن الحل لصد أي هجوم روسي هو التحالف مع رومانيا.
ويضيف، في تصريحات لموقع "تيمبول" المولدوفي، أنه "حدث موقف مشابه عام 2014، حينما كان هو نفسه رئيسا للوزراء، واتفق مع الرئيس الروماني".
وتروج الأحزاب السياسية غير البرلمانية في مولدوفا ورومانيا لفكرة توحيد البلدين.
لكن نائب رئيس وزراء مولدوفا، أوليغ سيريبريان، يقول "لا يوجد بعد أي تهديد حول عمليات عدائية من أوكرانيا إلى أراضي مولدوفا".
ومعلّقا، يقول الباحث في العلاقات الدولية جمال عبد الحميد، لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "تفجيرات ترانسنيستريا تؤكد أن روسيا تهيئ الأرض لمرحلة مختلفة في مولدوفا، مضيفا: "فقر مولدافيا وصغر حجمها وافتقارها للدفاعات العسكرية الفعالة ووجود قوى مؤثرة موالية لروسيا بداخلها يجعلها هدفا سهلا لعملية عسكرية على غرار ما حدث في شبه جزيرة القرم في 2014".
وتابع أن الاستيلاء على مولدوفا وبيسارابيا الأوكرانية المحاذية لرومانيا سيشكل نوعا من الجوائز الرمزية التي قد تعطي موسكو مساحة للتنفس بعد صمود أوكرانيا.