صوت البرلمان الألماني "البوندستاغ"، بأغلبية كبيرة، الخميس، لصالح توريد أسلحة ثقيلة إلى أوكرانيا.
وناشد نواب البرلمان بأغلبية كبيرة، تضم 586 صوتا، الحكومة الاتحادية "مواصلة توريد أية أسلحة ضرورية إلى أوكرانيا والإسراع في ذلك، حيثما يكون ذلك ممكنا، مع توسيع نطاق توريد أسلحة ثقيلة وأنظمة معقدة في إطار عمليات تبادل مثلا".
لكن تم التأكيد أنه يجب ألا يتم تهديد قدرات ألمانيا الدفاعية داخل حلف الناتو من خلال هذا الإجراء.
يشار إلى أن 100 نائب برلماني صوتوا بالرفض، وأحجم 7 نواب عن الإدلاء بأصواتهم.
ويعد هذا التطور لافتا، وقد يدفع -وفق المراقبين- نحو المزيد من التأزم في العلاقات الروسية الألمانية خاصة، والأوروبية عامة، لا سيما مع تصاعد نبرة موسكو الرافضة لتزويد الدول الغربية لأوكرانيا بالأسلحة وتلويحها باستهداف تلك الدول ردا على ذلك.
وتعليقا على ذلك، يقول ماهر الحمداني، الباحث والخبير في الشؤون الألمانية، في حوار مع سكاي نيوز عربية: "تصويت البوندستاغ على تزويد كييف بالأسلحة الثقيلة خلفه جملة أسباب ومستويات لفهم دوافعه، أولها تلك المتعلقة بالحسابات الداخلية والتي لا علاقة لها بالأزمة الأوكرانية، لكنها ترتبط بالانتخابات المحلية التي تجرى تباعا في الولايات الألمانية المختلفة، حيث أن لهذه الانتخابات حسابات دعائية كبيرة، تتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية، والموقف الألماني منها".
ويضيف: "هناك ضغط هائل على الحزب الاشتراكي الديمقراطي الرئيسي الحاكم، وإظهار موقفه من تلك الحرب من قبل أحزاب وقوى المعارضة بالضعيف، لكن الحزب الحاكم قلب الطاولة على المعارضة وصوت معها لصالح تمرير هذا القرار تحت قبة البوندستاغ، وهكذا تم اعتماده بالتشارك، حيث صوتت معظم الأحزاب الممثلة بالبرلمان على القرار، باستثناء حزبي اليسار الراديكالي وحزب (ف د ب) اليميني المتطرف".
أما الحسابات الإقليمية، يقول الحمداني: "تتعلق بمواجهة برلين لضغوط من العديد من الدول الأوروبية الأخرى المنتقدة لموقفها من حرب أوكرانيا، كونها الاقتصاد الأم والأكبر في منطقة اليورو، وبالتالي هي مطالبة باتخاذ مواقف أكثر تقدما من الجميع في أوروبا ضد روسيا، خاصة وأنها لم توقف واردتها من الغاز الروسي وغيرها من موارد الطاقة، وبالتالي فبرلين عمليا تمول يوميا الحرب بأوكرانيا وفق منتقديها بمليار دولار أميركي تذهب للخزينة الروسية".
أما البعد الثالث وراء صدور هذا القرار، كما يبين الحمداني: "فهو البعد الدولي وحساباته المعقدة والكبرى، والتي تتعلق خصوصا بأن الولايات المتحدة تعتبر الدول الأوروبية وفي مقدمها ألمانيا، كما ولو أنها محميات -لكي لا نقول مستعمرات- تابعة لواشنطن ولقراراتها، وعليها تبعا لذلك مجاراة الموقف الأميركي والاحتذاء به، وبالفعل أثبتت أميركا أن لديها القدرة لحد كبير على إجبار الاتحاد الأوروبي على اتخاذ خطوات وسياسات ربما تضر بمصالحه وتناقضها، لكنه مضطر على الإقدام عليها نظرا لتبعيته السياسية لواشنطن، والتي تحتم عليه عدم التغريد خارج سرب العم سام".
ويضيف الخبير في الشؤون الألمانية: "علما أن هذا الموقف الجديد للبرلمان الألماني، جاء بالضد من رغبة وتوجهات المستشار شولتس، وبالضد من رغبة قادة الجيش الألماني، الذين يرون أن مثل هذه الخطوة قد تقحم البلاد في أتون حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل، حيث إن أوكرانيا ليست حتى عضوا بالاتحاد الأوروبي ولا بالناتو لكي يكون هناك التزامات قانونية لألمانيا بالتدخل لصالحها في الحرب".
علاوة على أن الكثير من المصالح الألمانية ترتبط باالاقتصاد والأمن القومي الروسيين، كما يوضح الحمداني، متابعا: "وأبرزها أمن الطاقة، حيث ثمة تخوف واسع الآن في ألمانيا من ردة فعل الكرملين على هذا القرار للبوندستاغ، وهل يمكن أن يذهب لحد مثلا قطع إمدادات الغاز الروسي عن ألمانيا كما فعل مع بولندا وبلغاريا".
وعن آليات تطبيق القرار، يقول المتحدث: "القرار ملزم طبعا للمستشار شولتس، وهذا ما يضعه في موقف حرج، حيث إن فكرة القرار طرحت أساسا في البرلمان من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تنتمي له المستشارة السابقة ميركل، لإحراج حكومة شولتس وحتى محاولة إسقاطها عبر شق صف الائتلاف الحاكم والمتكون من 3 أحزاب، يؤيد حزبان منهما تزويد كييف بالسلاح الثقيل، فيما كان يعارضه حزب شولتس، والعمل على تأسيس تحالف لتشكيل حكومة جديدة بين الاتحاد المسيحي وحزبي الخضر والليبرالي، شريكا حزب شولتس الحاليين في الحكومة، لكن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم، ولإجهاض هذا السيناريو، بادر للتصويت والموافقة على القرار".
يذكر أن الكتلتين البرلمانيتين لحزب اليسار المعارض وحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المعارض، لم تؤيدا توريد أسلحة ثقيلة لأوكرانيا، وحذر زعيم الكتلة البرلمانية لحزب اليسار، ديتمار بارتش، من نشوب حرب نووية نتيجة توريدات الأسلحة لأوكرانيا.
وقال بارتش أن شولتس استبعد توريد أسلحة ثقيلة لأسباب، منها الخوف من نشوب حرب نووية، وأكد أنه محق في ذلك، وأشار إلى أن هذا ما توقعه المواطنون من الحكومة الألمانية، مضيفا: "ينبغي أن يكون ذلك هو الهدف الأسمى في ظل هذا التطور المأساوي".