أكد محللون عسكريون أن الحرب الدائرة في شرق أوكرانيا تختلف عن المعارك غرب البلاد وشمالها، فيما تحدثت تقارير غربية عن إمكانية تعثر الجيش الروسي في مواجهاته الجديدة بالداخل الأوكراني.
وعدلت روسيا قبل أيام خططها العسكرية، عندما سحبت قواتها من مناطق في الشمال، مشددة على أنها ستركز في المرحلة القادمة على ما وصفته بـ"تحرير إقليم دونباس" في الشرق.
ويتكون دونباس من دونيتسك ولوغانسك، الخاضعتين لسيطرة انفصاليين مدعومين من موسكو منذ عام 2014، اللتين تمثلان عاملا مساعدا لروسيا لحسم معركة الشرق.
معركة صعبة
تبنت القوات الأوكرانية في معارك المناطق الغربية أساليب حرب العصابات والشوارع، فيما استهدفت روسيا البنى التحتية والمنشآت العسكرية، وطبقت استراتيجية حصار المدن.
وتجد أوكرانيا نفسها الآن في وضع مختلف، حيث ستصعّب التضاريس والمساحات المفتوحة الواسعة في الشرق على مقاتليها إدارة عمليات حرب العصابات، كما فعلوا في غابات الشمال والغرب، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.
ويكمن الاختلاف في ظروف المعركتين في التضاريس، إذ قد يجد الأوكرانيون أنفسهم في مواجهة قتال أكثر صرامة في الشرق مما فعلوه في الشمال، حيث وفرت الأشجار غطاء للمقاتلين للتسلل خلف الخطوط الروسية وإطلاق النار على الدبابات والمركبات، باستخدام أسلحة مثل صواريخ "جافلين" التي قدمتها واشنطن لكييف.
ورغم هذا العامل السلبي على القوات الأوكرانية، فإن محللين عسكريين توقعوا استمرار المشكلات اللوجستية التي واجهت الجيش الروسي، في محاولته للاستيلاء على كييف.
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، إن الجيوش الكبيرة تقاتل بتنظيم محكم وتسلسل هرمي صارم، مع مستويات متعددة من القيادات تضمن تحرك القوات كبيرة العدد بطريقة منسقة.
وأضافت أن "الجيش الروسي تخلى في عمليته العسكرية الحالية عن هذا الهيكل، وشكّل كتائب تكتيكية قوامها 800 فرد، وجمّع الوحدات التي لم تعمل معا من قبل، مما أدى إلى تدمير الطبقات الوسطى من هيكل القيادة في ساحة المعركة، وسبب له مشكلات لوجستية وأخرى تتعلق بالاتصالات، أدت إلى عدم حسم معركة كييف".
وعن التحولات المحتملة المرتبطة بالعملية العسكرية الروسية، قال الخبير العسكري فريدريك دبليو كاغان: "إذا استمرت الإمدادات الغربية في التدفق إلى كييف، فقد تتمكن القوات الأوكرانية من شن هجمات مضادة على الروس".
وأوضح كاغان في تصريحات صحفية، أنه "من الممكن تماما للجيش الأوكراني، إذا توفرت له الموارد المناسبة بمرور الوقت في معركة الشرق، أن يدفع الجيش الروسي بعيدا إلى الوراء".
أما المحلل في معهد دراسات الحرب ماسون كلارك، فيقول: "من المحتمل أن يكون الروس قادرين على الاستيلاء على بعض الأراضي، لكن لن يتمكنوا من الاستيلاء على كامل المناطق في الأيام المتبقية على احتفالهم بالنصر على النازية في 9 مايو المقبل".
وفي السياق ذاته، ذكر المحلل العسكري خليل الحلو أن "الأوكرانيين يتبعون تكتيك (القتال التأخيري)، مما يجعل القوات الروسية تتقدم وتدخل حرب عصابات".
وأشار الحلو في حديث لموقع" سكاي نيوز عربية" إلى أن "الروس لم يتوقعوا مقاومة أوكرانية بهذا الشكل، علما أن الأوكرانيين يستخدمون تكتيك الحرب غير المتكافئة التي تعني استعمال أدوات وأسلحة متواضعة لإلحاق الأذى بالقوات الروسية".
أوجه الاختلاف بين المعركتين
ويثير اختلاف التضاريس في شرق أوكرانيا عن غربها، المخاوف بشأن حدوث معارك مفتوحة قد لا تكون في صالح كييف، لكن الأرض الموحلة قد تشكل عائقا أمام الدبابات الروسية وتجعلها هدفا سهلا للقوات الأوكرانية، وفق محللين عسكريين.
وأوضح الباحث في الشؤون العسكرية مينا عادل: "وجدنا في معركة الغرب تدفقا ضخما للأسلحة المضادة للطائرات والدبابات والطائرات من دون طيار الحديثة للأوكرانيين، فضلا عن الأسلحة الصغيرة والصواريخ غير الموجهة والذخيرة".
وتابع عادل في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "تدفق المساعدات العسكرية الغربية واستراتيجية حروب الشوارع التي هي نفس التكتيكات المرتجلة منخفضة التكلفة، أثبتت أنها قاتلة وخطيرة بالنسبة للجنود الأميركيين في العراق وأفغانستان، وتلك الاستراتيجيات قد تدرب عليها الجنود الأوكرانيون".
وبشأن توقعاته حول معركة الشرق، قال عادل: "بجانب الحرب النظامية في الشرق، يمكن للجيش الروسي تنفيذ تغطية نارية لقواته باستخدام منظومات الدفاع الجوي بعيدة المدى من داخل الأراضي الروسية. منطقة الشرق ستسمح لسلاح الجو الروسي السيطرة الكاملة على الأجواء الأوكرانية ومسرح العمليات، كما ستؤمّن الدعم الجوي للقوات الروسية بفاعلية في مدى قتالي مناسب بجانب التغطية النارية من المدفعية الدقيقة التي ستمتلك المدى المناسب".
ولفت الباحث في الشؤون العسكرية إلى أن "كل هذه العوامل ستفرض على الأوكرانيين قواعد اشتباك جديدة، والخروج لملاقاة الجيش الروسي في الميدان. إنه النموذج الرئيسي لسلسلة تدريبات يجريها الجيش الروسي وتقام بشكل سنوي تحت اسم (Zapad) وهو أكبر تدريب منذ عام 2009، ويشمل كل الأسلحة والأفرع العسكرية الروسية"، مضيفا أن ذلك "يلفت أنظار طائرات الاستطلاع لحلف الناتو في محاوله لتقييم تلك التدريبات".
ويؤكد عادل أن "الدعم الإلكتروني المستمر على مدار الساعة من طائرات حلف الناتو المتواجدة في الأجواء البولندية والرومانية، التي توفر صورا متكاملة عن مسرح العمليات، سيساعد الجانب الأوكراني على اتخاذ أفضل القرارات المتاحة لإيقاف الزحف الروسي".