على وقع الأزمة الأوكرانية التي دخلت شهرها الثالث وما جرّته من توترات حول العالم، يعود إلى الواجهة النزاع حول جزر الكوريل بين اليابان وروسيا.

ووصفت اليابان الجزر الأربع المتنازع مع موسكو على ملكيتها بأنها "محتلة بشكل غير قانوني من قبل روسيا"، في أحدث نسخة من تقرير دبلوماسي سنوي صدر قبل أيام قليلة، مستخدمة لغة أقوى لوصف النزاع الإقليمي .

وورد في "الكتاب الأزرق الدبلوماسي لعام 2022" الذي أصدرته وزارة الخارجية اليابانية أن :"الأراضي الشمالية هي جزر تخضع لسيادة اليابان، وجزء لا يتجزأ من أراضينا، وتخضع الآن لاحتلال غير قانوني من روسيا".

ونعت الجزر بأنها "جزء لا يتجزأ" من أراضي اليابان، لم يرد في "الكتاب الأزرق" منذ عام 2011، فيما تعد الإشارة إلى "احتلال غير قانوني" هي الأولى منذ الكتاب الدبلوماسي الصادر في عام 2003.

وفي المقابل، رد الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف على الخطوة اليابانية، بالقول إن كل الجزر الأربع في جنوب أرخبيل الكوريل على الحدود مع اليابان ستبقى جزءا لا يتجزأ من أراضي روسيا.

خريطة المناطق الاستراتيجية العسكرية الروسية

ويتخوف المراقبون من أن يقود التصعيد المتبادل بين الطرفين نحو تفجير أزمة خطيرة أخرى على هامش الأزمة الأوكرانية، لا سيما أنها قضية خلافية حادة تعد من أبرز ملفات الحرب العالمية الثانية التي بقيت عالقة، ولم تطو بعد على مدى نحو 8 عقود.

وحذر المتابعون من استحضار أجواء الحرب العالمية، وفتح ملفاتها وصفحاتها الدموية، في وقت يزداد التلويح فيه بحرب عالمية ثالثة.

موسكو "تعاقب" طوكيو

ويقول أستاذ العلوم السياسية مدير مركز التفكير السياسي في العراق إحسان الشمري، إن "التصعيد الروسي ضد اليابان عبر وقف مباحثات السلام معها في مارس الماضي، وإجراء سلسلة مناورات عسكرية في محيط جزر الكوريل طيلة الأسابيع الماضية بعد اندلاع الحرب الأوكرانية، يمثل بالطبع عقابا لطوكيو على اصطفافها مع الغرب والانضمام لركب فرض العقوبات الصارمة على موسكو، ورفض اليابان بشدة للعملية العسكرية الروسية".

وفي حال تصاعد التوتر بين روسيا واليابان أكثر مما يحدث الآن، يضيف الشمري لموقع "سكاي نيوز عربية": "الصين أيضا قد تدخل على خط الأزمة المشتعلة حول جزر الكوريل، وهي المنحازة لروسيا بطبيعة الحال في سياق صراعات النفوذ والسيطرة المشتعلة في مناطق شرق وجنوب آسيا وعموم منطقة المحيطين الهندي والهادىء، وبين الصين واليابان عداوة تقليدية كما هو معلوم".

ويوضح المتحدث: "كما أن الرسالة الروسية هنا هي أن موسكو قادرة على التحرك في عدة جبهات مترامية الأطراف متى تم تهديد مصالحها، ويبقى المعني الأول بتلك الرسالة هي واشنطن بطبيعة الحال".

كييف: موسكو نشرت قاذفات صواريخ إسكندر بالقرب من الحدود

تصعيد بـ"إيقاع مضبوط"

ومن جهة أخرى، يقول أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأميركية في القاهرة رائد العزاوي، إن "الجزر الأربع جزء من أرخبيل بحري كبير وغني بالموارد والمعادن النادرة ممتد بين روسيا واليابان، وطالما شكلت محور خلافات حادة بين الجانبين، تتجدد الآن على وقع الأزمة الأوكرانية بين المعسكرين الروسي والأطلسي، وآخر مظاهر هذا التصعيد التلاسن بين الجانبين بعد أن تحدثت طوكيو لأول مرة منذ نحو عقدين بنبرة مختلفة عبر توصيف جزر الكوريل ضمن كتابها الدبلوماسي الصادر عن خارجيتها بأنها محتلة وهو ما رد عليه الكرملين بغضب".

واستدرك العزاوي في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "لكن رغم ذلك فما يجري تصعيد مضبوط الإيقاع في هذا الجزء من العالم، وهو غالبا مجرد نبش في الماضي للضغط على روسيا من قبل الغرب وحليفته الآسيوية، وبالعكس هو تلويح روسي بالعصا الغليظة لحلفاء واشنطن حول العالم، وهي محاولة لتشتيت الضغط الغربي على روسيا في أوكرانيا عبر فتح جبهات تصعيد أخرى أو التلويح بفتحها في مناطق متفرقة من العالم، كشرق آسيا والقطب الشمالي وغيرها من مناطق نفوذ وتزاحم بين الطرفين".

أخبار ذات صلة

رغم تدهور العلاقات.. اتفاق روسي ياباني بشأن "السلمون"
اليابان تغير لهجتها مع روسيا بـ"وصف لم تستخدمه منذ 19 عاما"

وأضاف العزاوي أن هذه الجزر "تتمتع بأهمية استراتيجية وعسكرية واقتصادية قصوى، وعض الأصابع حول السيادة عليها متواصل، بهدف تسجيل أكبر قدر ممكن من النقاط في الصراع المحتد حولها منذ عقود، لكن على الأرجح لن يتطور أكثر من ذلك، خاصة أن المنطقة لا تقل حساسية وقابلية للتفجر عن بقية مناطق التماس بين القوى العالمية الكبرى، كما هو الحال في البلطيق وشرق أوروبا والبلقان مثلا".

ولطالما كانت العلاقات بين اليابان وروسيا معقدة ومتوترة، ولم يوقع البلدان على معاهدة سلام بعد الحرب العالمية الثانية بسبب الخلاف حول جزر الكوريل.

وسيطر الجيش السوفييتي على تلك الجزر في الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، ولم تتم إعادتها منذ ذلك الحين إلى طوكيو التي تسميها "الأقاليم الشمالية"، فيما لم تنجح المفاوضات بين البلدين منذ تفكك الاتحاد السوفييتي.

وانضمت اليابان إلى الدول الغربية في فرض عقوبات اقتصادية صارمة على موسكو بسبب عمليتها العسكرية في أوكرانيا، التي بدأت في 24 فبراير الماضي.