بعد نحو شهرين من البدء بإقرار حزم متتالية من العقوبات الغربية على روسيا إثر الهجوم على أوكرانيا، يبدو أن رياح مفعولها الردعي لموسكو لم تأت كما تشتهي سفن الغرب، كما يرى خبراء اقتصاديون.
وأشار هؤلاء الخبراء إلى أنها، وعلى العكس من ذلك، بدأت تخلق أزمات اقتصادية حادة في العديد من الدول الأوروبية والغربية على ضفتي الأطلسي، حيث ارتفاع نسب التضخم والغلاء وشح الموارد والسلع وغيرها من مظاهر الانكماش الاقتصادي العميقة، التي خلفتها سياسة فرض العقوبات على روسيا.
وفي هذا الإطار، أتت تصريحات المستشار الألماني، أولاف شولتز، الجمعة، بأن حظرا مفاجئا على الغاز الروسي لن يؤد إلى وقف الحرب في أوكرانيا.
وقال شولتز في مقابلة نشرت الجمعة في صحيفة دير شبيغل الأسبوعية: "أولا: لا أرى مطلقا أن حظر الغاز سيوقف الحرب، ثانيا: تتحدثون كما لو أننا نكسب المال من هذا الأمر. لكن النقطة المهمة هي أننا نريد تجنب أزمة اقتصادية خطيرة، فقدان ملايين الوظائف، المصانع التي لن تفتح مرة أخرى أبدا. ستكون لذلك عواقب وخيمة على بلدنا وأوروبا بأكملها".
متابعا: "يجب أن أقول، لا يمكننا السماح بذلك".
ويرى مراقبون أن هذا الموقف الألماني هو إعادة تأكيد من الدول المحورية في الاتحاد الأوروبي، على أن العقوبات الأوروبية على روسيا لن تطال أقله في المديين القريب والمتوسط قطاع الطاقة الروسية، لا سيما الغاز والنفط.
وتعليقا على ذلك تقول لانا بدفان، الباحثة في العلاقات الأوروبية بمدرسة موسكو العليا للاقتصاد، في حوار مع سكاي نيوز عربية: "الدول الأوروبية عامة كان لديها في البداية حماسة عارمة لفرض العقوبات على روسيا، لكن سرعان ما فتر حماسها ذلك، حيث حصل العكس ولحق الضرر الأكبر بالاقتصادات الأوروبية، حيث تم مثلا إغلاق مصانع الصلب والإسمنت والأسمدة وغيرها من قطاعات إنتاجية حيوية في دول مثل ألمانيا وإسبانيا والنرويج وفرنسا وايطاليا، وذلك خصوصا بسبب ارتفاع تكلفة الكهرباء على وقع ارتفاع أسعار الطاقة، لا سيما الغاز في بلدان الاتحاد الأوروبي، وتخفيض إنتاج مصانع إنتاجية أخرى في مختلف القطاعات الصناعية، لا سيما الزراعية منها".
"فمثلا تجاوز سعر لتر البنزين الواحد 2 يورو في إيطاليا"، تضيف الباحثة الاقتصادية، وتقول: "وهو ما يتسبب مثلا في تضرر قطاع النقل البري التجاري وسلاسل الإمداد هناك، بحيث إما أن يتم العمل بخسارة أو رفع أسعار النقل، وهو ما سيتسبب بداهة في رفع سعر البضائع والسلع، مما سينعكس بدوره انخفاضا في الطلب وركودا اقتصاديا، وقس على ذلك فداحة وتشعب نطاقات الأزمة الاقتصادية الخانقة في مختلف بلدان أوروبا".
وتضيف الباحثة في العلاقات الأوروبية: "أوروبا والتي بالكاد كانت قد خرجت للتو من أزمة الطاقة التي سببتها جائحة كورونا خلال العامين الماضيين، سرعان ما وقعت في خضم هذه الأزمة الأعتى والأشد، ولهذا أرسل خطاب جماعي موقع في 9 مارس الماضي من قبل ممثلي مختلف القطاعات الصناعية في أوروبا للمفوضية الأوروبية، مثل الروابط الأوروبية لصناعات الصلب والحديد والسيراميك والتعدين والسبائك الحديدية والمعادن وغيرها، تحذر من مخاطر انهيار شبه كامل للصناعة والاقتصاد الأوروبيين من جراء ارتفاع أسعار الطاقة".
وتضيف أنه "لهذا السبب تصف ألمانيا فرض العقوبات على روسيا بأنه انتحار، لأن التداعيات الأكبر كانت على اقتصادات منطقة اليورو، فيما نرى أن الاقتصاد الروسي في المقابل قد تمكن لحد معقول من امتصاص صدمة العقوبات والتأقلم مع الواقع الجديد، لدرجة أن الروبل استعاد قيمته ما قبل الحرب الأوكرانية".
بدوره، يقول تيمور دويدار، الخبير الاقتصادي والمستشار في قطاع الأعمال والاستثمارات، في حوار مع سكاي نيوز عربية: "في الجهة الأخرى من النقاش حول العقوبات ومدياتها، ترتفع في موسكو كثير من الأصوات التي تطلب من الحكومة الروسية وقف صادرات الطاقة للاتحاد الأوروبي، منتقدة الكرملين لعدم وقفها حتى الآن، على اعتبار أن هناك حالة حرب بين روسيا والغرب".
وأضاف: "فالاتحاد الأوروبي وتصريحات شولتز هذه خير مثال على الفشل كما هو واضح في محاولاته الاستغناء عن مصادر الطاقة الروسية، كما يرى دويدار.
ويتابع: "وهو ما يتضافر مع فشل الساسة والقادة الأوروبيين في تفادي وقوع هذه الأزمة أصلا، والذين إن كانوا مهتمين بالفعل بإحلال السلام والتنمية والرخاء في قارتهم وحول العالم، وبضمان سلامة وسلاسة إمدادات الطاقة واستقرار أسواقها، لكان حري بهم الاتفاق مع روسيا لتطوير منظومة الأمن الأوروبية الإقليمية وتطوير الشراكة مع روسيا في هذا الإطار، قبل أن تنزلق الأمور لهذا المنحى الكارثي الخطير".
ويضيف الخبير الاقتصادي: "الأوروبيون مضطرون للاعتماد على إمدادات الطاقة الروسية، وموسكو ببراغماتية لا ترى مانعا في الاستفادة من هذه الحاجة الأوروبية، لكن رغم ذلك فالأزمة الاقتصادية على وقع الحرب الأوكرانية تضرب مختلف مفاصل الاقتصاد العالمي، فميزانيات الدول الفقيرة والنامية وحتى الدول المتقدمة الخاصة بالواردات، لم تكن تتوقع حصول هذه الأزمة، وهكذا شحت في الموارد والسلع وشهد العالم ارتفاعا جنونيا في أسعارها".
وتزامنا مع تصريحات شولتز، حذر البنك المركزي الألماني، الجمعة، من أن فرض حظر فوري من الاتحاد الأوروبي على واردات الغاز الروسي سيكلف بلاده 180 مليار يورو، أي 194 مليار دولار من الناتج المفقود هذا العام.
وقال البنك المركزي المعروف بنفوذه في منطقة اليورو، في أحدث نشرة شهرية له، إن فرض حظر على الغاز الروسي من شأنه إضعاف الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5 بالمئة لهذا العام، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة وإحداث أحد أعمق فترات الركود الاقتصادي في العقود الأخيرة.