بعد أكثر من ساعتين ونصف من الجدل والمناقشة بالمناظرة التقليدية التي جمعت الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته، إيمانويل ماكرون، ومرشحة حزب التجمع الوطني، مارين لوبان، المتأهلين للدور الثاني من انتخابات الرئاسة، يبدو أن المواجهة كانت أقل توترا مما كانت عليه بالاستحقاق الانتخابي عام 2017، لكنها لم تكن خالية من ملفات ساخنة تبادل فيها الطرفان أصابع الاتهام، فمن خرج من المناظرة أكثر إقناعا للفرنسيين؟.
ووفقا لاستطلاع رأي أجراه معهد "إلاب" بعد نهاية المناظرة، على 650 مشاهدا تزيد أعمارهم عن 18 عاما، اعتبر 59 بالمئة منهم أن إيمانويل ماكرون كان "أكثر إقناعا"، بينما رأى 39 بالمئة أن مارين لوبان "ظهرت بشكل أفضل عن مناظرة عام 2017".
ويفيد الاستطلاع كذلك بأن الرئيس المنتهية ولايته، يملك القدرة على مسايرة الملفات التي ستكون مطروحة على طاولة رئيس الجمهورية المقبل.
فعند سؤالهم عن أي من المرشحين يتمتع بأكبر قدر من الصفات اللازمة لرئاسة الدولة، اعتبر 53 بالمئة من المشاركين أن ماكرون أكثر مصداقية، مقابل 28 بالمئة لصالح لوبان.
تفوق آخر سجله ماكرون وسط ناخبي المرشح في الجولة الأولى، اليساري جان لوك ميلينشون، الذين وجدوا بحسب المعهد، أنه أكثر إقناعا بنسبة 61 بالمئة، مقابل 39 بالمئة للوبان.
ولا يستغرب المحلل السياسي، أوليفيه روكن، في تصريحه لموقع "سكاي نيوز عربية" هذه النتائج، لأنه يتفق مع أن "الرئيس المنتهية ولايته تفوق وظهر كفائز في المناظرة، لأنه اختار موقف الهجوم ضد اليمينية المتطرفة وألقى بكامل مهاراته الخطابية ليزعزع استقرارها النفسي ويسيطر منذ بداية النقاش".
وتابع: "مرة دعاها للتوقف عن الخلط بين كل شيء، وألا تعطيه دروسا، ومرى أخرى وصف برنامجها بأنه ليس له رأس ولا ذيل".
واعتبر روكن أن "الطريق الذي سلكه ماكرون يترسخ في ذهن الناخبين أكثر، خصوصا أنه يتصدر استطلاعات الرأي لحد الساعة. كما أنه نجح في تجنب الحديث عن حملته الانتخابية حتى آخر دقيقة".
وبالكاد تم ذكر قضية شركة "ماكيزي" الأميركية للاستشارات، التي أشعلت الخلاف في الحملة الانتخابية قبل الجولة الأولى، والمتهمة بعدم دفع الضرائب في فرنسا، بعد ساعتين من الجدل.
فخلال حديث لوبان عن مشاكل التعليم، مرت على القضية بشكل سريع، قائلة: "الإصلاح الذي تقترحه هو إصلاح يعتمد على دفع رواتب المعلمين وفقا لنتائج طلابهم. لا أعرف ما إذا كانت شركة (ماكينزي) قد اقترحت ذلك"، ولم يذهب الحوار أبعد من ذلك.
وكانت أول مواجهة بينهما حول ملف تجميد الأسعار، فرغم أن الدقائق الأولى المخصصة للقوة الشرائية كانت من المرجح أن تفيد لوبان بسبب قوة برنامجها الانتخابي فيما يخص هذه النقطة، إنها تعثرت منذ البداية.
فبعد اتهامها ماكرون بفرض ضريبة الكاربون وخفض مساعدات الإسكان بمقدار 5 يورو، في حين تعد هي بتخفيض ضريبة القيمة المضافة من 20 إلى 5.5 بالمئة، على الطاقة بطريقة مستدامة.
كما أعدت جردا للإجراءات التي اتخذتها لتمويل وعودها، عن طريق تعقب "النفقات التي تبدو باهظة الثمن أو ضارة لها"، فقام ماكرون بتفكيك وعودها واحدا تلو الآخر، وأثنى على درع الطاقة الخاص به، باعتباره "ضعف فعالية تخفيض ضريبة القيمة المضافة".
ويرى المحلل الفرنسي، في شق آخر بأن "ماكرون ضايق لوبان وصنع المفاجأة في ملف اعتماد لوبان على القوة الروسية، وعلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، لتعاقدهما على قرض من بنك روسي، وهو الأمر الذي قد يخلق جدلا مستقبلا".
وفي هذا الشأن، قال المرشح الأوفر حظا للرئاسة: "تتواصلين مع مصرفييك أولا عندما نتحدث عن روسيا، هذه هي المشكلة يا سيدة لوبان".
كما انتقدها ماكرون لكونها "واحدة من أوائل السياسيين الأوروبيين، الذين اعترفوا في وقت مبكر من عام 2014، بضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية، من قبل روسيا".
من جانبها، أعربت مرشحة التجمع الوطني عن "تضامنها المطلق مع الشعب الأوكراني"، ورحبت بـ"الجهود" التي قام بها الرئيس "لمحاولة إيجاد باسم فرنسا، وسائل وطرق للسلام".
واختتم المحلل السياسي حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، بالقول: "في العموم، كان نقاشا أكثر هدوءا مما كان عليه في عام 2017، وكانت التبادلات بين ماكرون ولوبان أكثر سلمية، لكن هذا لا يعني أن المناظرة ستدخل التاريخ ولن تبقى في الذاكرة المشتركة، فهي لم تقدم جديدا يذكر على مستوى المواضيع التي تهم الناخب الفرنسي، كما أنها لا تشكل محركا يدفعهم إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع".
وحذر في المقابل، من أنه في بعض الأحيان، "كان يظهر ماكرون متغطرسا ومتكبرا، فيما كانت لوبان مترددة بشكل كبير".