على جناح الحرب الأوكرانية، تصاعدت معركة حامية أخرى بين روسيا والغرب، كان أبطالها السفراء وموظفي السفارات.
وردا على العملية العسكرية الروسية، عمدت الدول الغربية إلى حملة منسقة وطرد جماعي للدبلوماسيين الروس، مما دفع الأخيرة إلى الرد بالمثل في بعض الأحيان، واصفة الأمر بـ"ضيق البصيرة".
ووفقا لبعض الإحصاءات، فقد تم طرد نحو 260 دبلوماسيا روسيا حتى الرابع من أبريل الجاري، من مختلف دول الاتحاد الأوروبي، منذ بدء العملية الروسية بأوكرانيا، وفقا لوكالة "فرانس برس".
أما صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، فأكدت طرد حوالي 400 دبلوماسي روسي في الأسابيع الستة الماضية.
حرب طرد الدبلوماسيين
وخلال مارس وأبريل، ساءت العلاقات الدبلوماسية بين المعسكرين، بعد تبادل حملات طرد الدبلوماسيين وموظفي السفارات، فبعد فرنسا وألمانيا، طردت إيطاليا والدنمارك والسويد وإسبانيا ودول البلطيق الثلاث (استونيا، لاتفيا، ليتوانيا)، بالإضافة إلى أميركا واليابان وبلغاريا وسلوفاكيا والبرتغال، عشرات الدبلوماسيين الروس، مما يمثل مزيدا من التدهور بالعلاقات مع موسكو.
وفي 4 أبريل الجاري، قررت إيطاليا طرد 30 دبلوماسيا روسيا لأسباب تتعلق بـ"الأمن القومي"، حسب ما أعلن وزير خارجيتها لويجي دي مايو.
وفيما أعلنت ألمانيا طرد 40 روسيا، قررت ليتوانيا طرد السفير الروسي، بالتزامن مع طرد فرنسا 35 دبلوماسيا روسيا "تتعارض أنشطتهم مع مصالحها"، موضحةً أن "هذا الإجراء جزء من نهج أوروبي".
كذلك أعلن وزير الخارجية الدنماركي ييبي كوفود أن بلاده قررت طرد 15 دبلوماسيا روسيا "قاموا بأنشطة تجسس على الأراضي الدنماركية".
وأعلنت السويد بدورها طرد 3 دبلوماسيين روس، ثم قررت إسبانيا طرد نحو 25 روسيا "بمفعول فوري"، لأنهم يشكلون "تهديدا لمصالح البلاد".
وفي 29 مارس، أعلنت بلجيكا طرد 21 شخصا يعملون في السفارة والقنصلية الروسيتين خلال مهلة 15 يوما، للاشتباه بضلوعهم "في عمليات تجسس تهدد الأمن القومي".
وفي اليوم نفسه، قررت هولندا طرد 17 شخصا "معتمدين كدبلوماسيين في البعثات الروسية في هولندا"، لكنهم "ينشطون بشكل سري كضباط استخبارات".
وفي 23 مارس، أعلنت بولندا على لسان وزير الداخلية ماريوس كامينسكي، طرد "45 جاسوسا روسيا ينتحلون صفة دبلوماسيين".
كذلك أعلنت الخارجية النمساوية طرد 4 دبلوماسيين روس، كما طردت اليابان 8 دبلوماسيين، والبرتغال طردت 10 من طاقم السفارة الروسية.
وفيما طردت الولايات المتحدة 12 دبلوماسيا روسيا في الأمم المتحدة، قررت دول البطليق الثلاث (إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا) مجتمعة طرد 3 دبلوماسيين روس.
وبالنسبة للبرتغال، فقد أبلغت في 5 أبريل الجاري، السفير الروسي بقرارها طرد 10 موظفين في السفارة، وقالت إن "نشاطهم يهدد الأمن القومي" ، كما اعتبرت بلغاريا، في 18 مارس الماضي، أن 10 دبلوماسيين روس "غير مرغوب فيهم".
وبخلاف الدول الغربية ورغم دعمها لأوكرانيا وإرسال أسلحة كمساعدت لكييف، رفضت كندا، طرد الدبلوماسيين الروس لديها، كمحاول من أوتاوا، وفق مراقبين، الحفاظ على قنوات التواصل الدبلوماسية مع موسكو.
ويقول الباحث والأكاديمي الفرنسي، بير لويس ريمون، إن "التبادل الدبلوماسي يعد من أعلى مستويات العلاقات بين الدول، ويكون معبرا على مدى وجود قنوات الاتصال بين الدول من عدمها".
ويضيف لموقع "سكاي نيوز عربية": "هذه الموجة من تبادل طرد الدبلوماسيين هي حرب تصعيدية تتجاوز البعد الرمزي، وتشكل ضربة موجعة لموسكو، وتأتي في إطار سجل العقوبات الغربية الحافل ضد الاقتصاد الروسي".
ويردف بأن " طرد الدبلوماسيين يعد من أسوأ أشكال التصعيد السياسي بين الدول"، لافتا إلى أن "إجراءات الدول الغربية هدفها خنق النشاطات الروسية"، التي تصفها بأنها "أنشطة تجسس لصالح موسكو".
وقالت "صحيفة واشنطن بوست" الأميركية، إن طرد الدبلوماسيين الروس، "ربما يخنق محاولات التجسس من قبل موسكو"، مضيفة: "روسيا تعتمد على هؤلاء العملاء لجمع معلومات استخباراتية داخل الدول التي يخدمون بها".
وتابعت: "من ثم، فذلك سيخنق شبكات التجسس الروسية، ويؤدي إلى انخفاض كبير في عمليات التجسس والتضليل المعلوماتي ضد الغرب".
الرد الروسي
من جانبها، وصفت موسكو طرد دبلوماسييها من الدول الغربية بأنه " ضيق بصيرة"، مهددة بإجراءات رد "مدمرة" على تلك الخطوة.
وأعلنت روسيا طرد دبلوماسيين أميركيين، ردا على طرد واشنطن 12 عضوا في البعثة الدبلوماسية الروسية لدى الأمم المتحدة مطلع مارس.
كما طردت 10 دبلوماسيين من دول البلطيق الثلاث، وقررت طرد 45 من موظفي ودبلوماسي السفارة البولندية، كرد فعل على خطوة مماثلة.
وأعلنت أيضا في 15 أبريل الجاري، طرد 18 موظفا من وفد الاتحاد الأوروبي لدى موسكو.
وقال الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن "الحد من فرص التواصل على الصعيد الدبلوماسي في هذه الظروف الصعبة، ينم عن ضيق بصيرة من شأنه أن يعقّد أكثر العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي".
وأضاف في تدوينة على قناته على "تلغرام"، أنه "إذا استمر هذا، فسيكون من المناسب إغلاق الباب بقوة أمام السفارات الغربية".
ويعلق الباحث في الشؤون الأوروبية، يوسف أحمد، على تلك الخطوات التصعيدية، بالقول:" قطع العلاقات الدبلوماسية يعد أحد أخطر الوسائل التي تعبّر عن مدى ما آلت إليه العلاقات بين دولتين، أو دول معينة، من تدهور".
ويضيف في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية": "هذا الإجراء قد ينهي العلاقات الودية بين الدول، وقد يؤدي إلى انتهاء البعثة الدبلوماسية الدائمة ".
ويستطرد: "الدولة المضيفة للبعثة الدبلوماسية الأجنبية، قد تتعسف في استعمال حقها طبقا للمادة 9 من اتفاقيه فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961، وذلك بإعلانها أحد افراد البعثة الدبلوماسية شخصا غير مرغوب فيه، دون سبب أو حجة غير مقنعة، أو على أساس انتقامي، كما شهدنا في حقبة الحرب الباردة، أو ما يحدث الآن بين واشنطن وأوروبا من جانب، وموسكو من جانب آخر".