يتصاعد التوتر في مختلف بؤر الصراع التقليدية والمزمنة حول العالم، على وقع تفجر الحرب الأوكرانية وما جرته من مواجهة روسية أطلسية، ومنها تايوان التي زارها وفد من الكونغرس الأميركي.
ودفعت هذه الزيارة الصين للإعلان عن إجراء تدريبات عسكرية حول تايوان، الجمعة، في خطوة أكدت بكين أنها تستهدف "الإشارات الخاطئة" التي ترسلها الولايات المتحدة.
وذكر تلفزيون الصين المركزي الرسمي نقلا عن شي يي لو، المتحدث باسم قيادة مسرح العمليات الشرقي لجيش التحرير الشعبي، أن الجيش الصيني أرسل فرقاطات وقاذفات قنابل وطائرات مقاتلة لبحر الصين الشرقي والمنطقة المحيطة بتايوان، الجمعة.
وقال شي: "هذه العملية رد على إرسال إشارات خاطئة على نحو متكرر من الولايات المتحدة بخصوص تايوان في الآونة الأخيرة".
ويعتقد مراقبون أن هذه الزيارة لأعضاء من الكونغرس الأميركي إلى تايوان، وما جرته من ردود فعل صينية، ليست بمعزل عن الاستقطابات والتجاذبات الدولية الحادة على وقع الحرب الأوكرانية، وأنها قد تندرج في سياق محاولات كبح الاصطفاف الصيني ولو "الموارب" مع روسيا في الأزمة الأوكرانية، وربما العكس عبر توريط بكين عسكريا في تايوان لاستنزافها اقتصاديا.
ويرى آخرون أن مسألة تايوان أشبه بعش دبابير أثير بطريقة استفزازية ومقصودة، قد تدفع "التنين الصيني" لنفث نيرانه بما قد يشعل منطقة شرق وجنوب شرق آسيا بأكملها والتي تمتاز بحساسيتها وبتداخل الأجندات الإقليمية والدولية المتصارعة فيها وعليها.
اتساع الحرب
وتعليقا على تصاعد التوتر الصيني الأميركي على خلفية قضية تايوان، ومدى ارتباطه بالأزمة الأوكرانية، يقول علي يحيى، الباحث والخبير في العلاقات الدولية، في حديث لـسكاي نيوز عربية "مع تواصل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والتي بدأت تلوح مع قرب دخولها الشهر الثالث بوادر تحولها لحرب عالمية، خصوصا بعد استهداف وإغراق حاملات الطائرات، الطراد الروسي موسكوفا، والذي سبقه إخراج القوات البحرية الأوكرانية بالكامل من الخدمة، تراقب دول وتكتلات عديدة حول العالم المشهد، لتعيد تموضعها بشكل تناسبي، وأخرى تستخلص العبر".
وتابع "الصين، بدورها تراقب المشهد الأوكراني وعينها على تايوان من جهة، وعلى تحرك الكتلة الغربية، إضافة لليابان وأستراليا، بامكانياتها الضخمة ضد روسيا من جهة أخرى، والرسائل المبطنة ضد الصين، على خلفية مواقفها المؤيدة لموسكو، والتي لا تعتبرها بعض الدول الأطلسية محصنة بشكل كامل من الآليات التي تستخدم ضد روسيا حاليا".
تعتمد الصين سياسة العصا والجزرة مع تايوان، كما يشرح الخبير في العلاقات الدولية، مردفا:"والتي تعتبرها أرضا صينية، فمن جهة تسعى لإبراز قوتها العسكرية المتنامية والمتفوقة في محيطها، ومن جهة أخرى تحاول احتواء تايوان عبر تقديم تجربة النموذج الصيني الاقتصادي المتفوق والناجح بناتج محلي يزيد عن 1.8 تريليون دولار متجاوزا ناتج نظيره التايواني، البالغ 668 مليون دولار لسنة 2021، كما وعبر طرح نموذج "دولة واحدة في نظامين"، الذي اقترحته بكين وحاولت تطبيقه في هونغ كونغ".
ومن هنا تأتي المناورات الصينية تحديدا، يضيف يحيى "كرد على زيارة وفد من الكونغرس الأميركي، لتايوان، والتي سبقها تصريح من المستشار الأميركي للأمن القومي، جيك سوليفان، أكد خلاله عزم واشنطن اتخاذ كافة الإجراءات الممكنة لمنع إعادة توحيد تايوان مع الصين بالقوة".
صراع عالمي
بدوره، يرى رائد العزاوي، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية بالقاهرة، في لقاء مع سكاي نيوز عربية أن :"الصراع في أوكرانيا يدور حول النفوذ العالمي، وهو صراع اقتصادي قبل أن يكون عسكريا، وهو لا يتعلق فقط بحماية الأمن القومي الروسي ومنع انضمام أوكرانيا للناتو كما يؤكد بوتن".
وأشار إلى تصاعد المناورات في العديد من بؤر التوتر التقليدية حول العالم، كجزر الكوريل وتايوان وشبه الجزيرة الكورية في ظل هذه الأوضاع الدولية المعقدة، خاصة أن ثمة قوى تسعى لتوسع الحرب خارج أوكرانيا نحو مناطق أخرى من العالم ومن ضمنها تايوان".
وقال إن بكين لا تريد التصادم مع واشنطن "لكنها ترى أن مضي الأخيرة بهذا الشكل في استفزاز الصين من البوابة التايوانية، يعني كسر هيبة الصين والانتقاص من قوتها حول العالم، ولهذا بادرت للقيام بهذه المناورات وإرفاقها بتهديد مبطن يكاد يكون مباشرا لواشنطن من اللعب بالنار التايوانية، والتي نظمت متزامنة مع المناورات المتتالية لروسيا في بحر اليابان".
ويرى أستاذ العلاقات الدولية أن "مجمل هذه المناورات حول العالم، تفيد أن ثمة قلقا وتأهبا يشملان مختلف الدول العالمية الكبرى، في سياق تصاعد صراعاتها الاستراتيجية والاقتصادية على مناطق النفوذ والموارد ومصادر الطاقة ومنابعها وممراتها، فالمناورات هي جزء من رد ناعم لهذه الدول لا يصل لحد الصدام المباشر في سياق حفاظ الدول على مصالحها، ولهذا مثلا لدى الولايات المتحدة خطة لإجراء مناورات عسكرية ضخمة قريبا في منطقة بعيدة ونائية في الشمال بآلاسكا، حيث سيتم عرض مجموعة طوربيدات وصواريخ حديثة ومتطورة جدا تستخدم في الغواصات".
يضيف أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأميركية في القاهرة أن هذا "يعني سير العالم نحو المزيد من التأزم، بل ونحو حافة الهاوية، حيث إن هذه الحرب الدائرة رحاها الآن في أوكرانيا، ستطول وستستمر في أشكال مختلفة، وهي الآن مجرد بداية وصفحة أولى ستتلوها صفحات دامية مقبلة، وهي مرشحة حتى للتحول لحرب عالمية ثالثة أو على سلسلة هيئة حروب خاطفة وسريعة، وليس على طريقة الحرب الروسية الأوكرانية التي أرهقت الطرفين، وكشفت بشكلٍ واضح هشاشة النظام الدولي القائم حاليا".