تتصاعد نذر المواجهة بين كوريا الشمالية وكل من الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، على خلفية التجارب الصاروخية التي أجرتها مؤخرا بيونغيانغ، وما لاقته من ردود فعل منددة من قبل عواصم الدول الثلاث.
وفي أحدث فصول التصعيد المتبادل في تلك المنطقة كما يرى المراقبون، أجرت سفن حربية أميركية ويابانية، تقودها حاملة الطائرات الأميركية أبراهام لينكولن، مناورات بحرية مشتركة في المياه الواقعة بين اليابان وشبه الجزيرة الكورية للمرة الأولى منذ 5 سنوات.
ويرى محللون في هذه المناورات محاولة لردع استفزازات كوريا الشمالية، وإظهار متانة التحالف بين واشنطن وطوكيو، وسط تزايد التكهنات بشأن إجراء بيونغيانغ المزيد من التجارب النووية أو الصاروخية.
ويحذر خبراء عسكريون من أن كوريا الشمالية قد تطلق صاروخا آخر أو تجري تجربة نووية هذا الأسبوع خلال احتفال بيونغيانغ بالذكرى السنوية لميلاد زعيمها المؤسس كيم إيل سونغ.
وتعليقا على التوتر المتصاعد في منطقة شرق آسيا، ومدى ارتباطه بالأزمة الأوكرانية وتجاذباتها، يقول مسعود معلوف، الدبلوماسي السابق والخبير في الشؤون الأميركية، في حديث مع سكاي نيوز عربية: "التحالف الثلاثي بين اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأميركية إزاء التهديدات الكورية الشمالية، هو تحالف تقليدي وليس وليد اللحظة كما هو معلوم، ومع تصاعد التجارب الصاروخية التي تجريها بيونغيانغ منذ بداية العام الجاري، قامت الدول الثلاث بعقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية في شهر فبراير المنصرم، لبحث سبل التنسيق والرد على تزايد وتيرة تجارب كوريا الشمالية، والتي بلغ عددها في شهر يناير الماضي فقط 7 تجارب، وليبلغ مجموعها خلال الربع الأول فقط من هذه السنة 9 تجارب".
وما يزيد المشهد توتيرا وتعقيدا تزامنه مع اندلاع الأزمة الأوكرانية، وفق معلوف، الذي يردف: "واشنطن منغمسة في تلك الأزمة وتسعى جاهدة عبر مد كييف بالسلاح ومختلف أشكال الدعم المالي والدبلوماسي والإنساني، كي تتمكن من الصمود لأكبر وقت ممكن أمام الهجوم الروسي، بما يتيح للعقوبات التي تفرضها واشنطن وعواصم الغرب أن تأتي أكلها، بدرجة تجبر موسكو على التراجع، وهو ما يستلزم وقتا".
ويتابع: "تخشى واشنطن في هذا السياق من أن تعمد كوريا الشمالية وبالتعاون مع روسيا والصين لإشعال الجبهات في منطقة شبه الجزيرة الكورية وجنوبي شرق آسيا، لتخفيف الضغط على موسكو في الجبهة الأوكرانية، وإلهاء الولايات المتحدة بأزمة أخرى".
ولحد اللحظة، فإن التوترات لا زالت في إطار الفعل ورد الفعل بين الأطراف المعنية، كما يوضح الخبير في الشؤون الأميركية، متابعا: "كوريا الشمالية تسعى على ما يبدو لاستغلال الأزمة الأوكرانية لتظهر كقوة مؤثرة وكبيرة آسيويا وعالميا، مستعرضة عضلاتها النووية والصاروخية، ومن هنا خطورة أن تنزلق الأوضاع والتجاذبات في هذا الجزء المضطرب من العالم، نحو حرب واسعة تقود لتورط مختلف القوى الدولية فيها، خاصة في ظل الأوضاع العالمية المضطربة حاليا".
وعن مخاطر كون القوى المتصارعة إن في شرق أوروبا أو شرق آسيا هي قوى نووية، واحتمالات انزلاق الاحتكاك بينها نحو تبعات كارثية، يقول معلوف: "لذلك بالتحديد ينبغي على الجميع ممارسة أقصى درجات الحذر وضبط النفس، فمثلا واشنطن تتجنب التدخل المباشر في الحرب الأوكرانية رغم الدعوات المتكررة لإدارة بايدن خارجيا وداخليا، خاصة من قبل الرئيس الأوكراني، زيلينسكي، ومن قبل المتطرفين الأميركيين وحتى أعضاء بالكونغرس، ممن يضغطون باتجاه تدخل واشنطن عسكريا في الحرب الأوكرانية، لكن البيت الأبيض حريص كما يبدو على عدم فعل ذلك لتجنب سيناريو مواجهة نووية مدمرة مع الكرملين".
بدورها، ترى الباحثة المختصة في العلاقات الدولية، لانا بدفان، في حديث مع سكاي نيوز عربية أن "المشهد بات متوترا حول العالم بفعل سياسات التصعيد والتوسع الأطلسية بالدرجة الأولى، فحرب أوكرانيا ما كانت لتقع أصلا لولا محاولات حلف الناتو التمدد شرقا أكثر فأكثر، وهو ما قوبل برد فعل روسي عنيف وحازم".
وتضيف الباحثة بالعلاقات الدولية: "السيناريو نفسه يتكرر بحذافيره تقريبا في شرق آسيا وجنوبها، حيث تعمل الولايات المتحدة على تطوير تحالفات عسكرية رديفة لحلف الناتو، بما يجعلها أشبه بفروع إقليمية أو قارية له، كتحالف أوكوس مثلا الذي يضمها مع بريطانيا وأستراليا، فضلا عن تحالفها مع طوكيو وسول والذي يجابه بالتوجس والرفض من قبل ليس فقط بيونغيانغ، وإنما بالدرجة الأساس من قبل بكين التي بحكم كونها الدولة الأكبر والأقوى عسكريا وسياسيا واقتصاديا في تلك المنطقة، ولكونها العضو الدائم بمجلس الأمن الدولي، فهي تعتبر التحركات الأميركية مزاحمة لها في نطاقات نفوذها الحيوية واستهدافا لها".
وأعلن الأسطول السابع الأميركي وقوات الدفاع الذاتي البحرية اليابانية، الأربعاء، أن المناورات البحرية المشتركة في بحر اليابان أجريت يومي الثلاثاء والأربعاء.
وتصاعد التوتر في المنطقة بسبب سلسلة التجارب الصاروخية التي أجرتها كوريا الشمالية هذا العام، بما في ذلك إطلاق أول صاروخ باليستي عابر للقارات منذ أكثر من 4 سنوات.
ونفذت كوريا الشمالية مؤخرا عددا كبيرا من اختبارات الأسلحة المختلفة، وذلك بعد أن كانت ملتزمة بوقف ذاتي لاختبار الصواريخ العابرة للقارات والأسلحة النووية، مع بدء زعيمها كيم جونغ أون سلسلة خطوات دبلوماسية وتفاوضية مع واشنطن، تكللت بلقائه مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2018، إلا أن المباحثات انهارت لاحقا وتعطلت المساعي الدبلوماسية.