بطرد الدبلوماسيين الروس، قفز موقف برلين لأقصى درجات حدته مع روسيا منذ بدء الهجوم على أوكرانيا، إلا أن خبراء يتوقعون ألا يتصاعد إلى قطع العلاقات، لحاجة ألمانيا للنفط والغاز الروسيين.
وفي الوقت الذي تواجه ألمانيا انتقادات حادة بشأن مواقفها من الأزمة الأوكرانية، أشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الجمعة، إلى تغير خطاب ألمانيا رغم خطواتها المتحفظة وترددها الشديد في سياستها مع روسيا، مؤكدا على دعم برلين لبلاده بالسلاح.
وأكد المستشار الألماني أولاف شولتس، في خطابه الأخير أمام البرلمان، على تعهده لدعم أوكرانيا ودعا روسيا إلى إنهاء الحرب فورا مع دعم فرض المزيد من العقوبات ضدها.
وقادت ألمانيا منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا في 24 فبراير جبهة التهدئة داخل أوروبا وحلف "الناتو" في النزاع مع روسيا، حتى تحول موقفها بإعلان وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك، أن "بلادها تعتبر 40 دبلوماسيا روسيا أشخاصا غير مرغوب فيهم، حيث كانوا يعملون هنا ضد حريتنا وتماسك مجتمعنا".
وعلى الفور شنت موسكو هجوما حادا ضد ألمانيا، ووصفت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، تصريحات برلين بـ"النهج العدواني المناهض لروسيا".
وقالت إن هذا الإجراء يهدف لتدمير بنية كاملة في العلاقات، محذرة من رد فعل مماثل.
موقف مغاير
استخدمت برلين ورقة طرد الدبلوماسيين في أزمة أوكرانيا قبل الحرب، لكن تزيد خطورة هذه الورقة الآن لتزامنها مع اتهام الغرب للقوات الروسية بارتكاب جرائم ضد مدنيين في بوتشا الأوكرانية، وطرد 5 دول أوروبية 145 دبلوماسيا روسيا.
وعن أسباب تصعيد الموقف الألماني، يرى محمد رجائي بركات، خبير الشؤون الأوروبية، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه رغم مطالبة المستشار الألماني منذ بداية الهجوم بإجراء مفاوضات، ومعارضته حظر استيراد الغاز والنفط والفحم من روسيا، تبنت وزيرة الخارجية موقفا أكثر تشددا، ربما لتأثرها بحزب الخضر الذي تنتمي له.
وينوه السياسي الألماني حسين خضر، إلى أهمية برلين، حيث يجتمع فيها صناع القرار ومجموعات الضغط، خاصة وقت الحرب التي تزداد فيها الحاجة للمعلومات السرية.
ويوضح خضر لـ"سكاي نيوز عربية" أن القرار محاولة للحد من "التجسس" الروسي في ألمانيا، متوقعا أن تتخذ روسيا قرارا مماثلا بطرد موظفي السفارة الألمانية.
الفحم الروسي
طال تغير الموقف الألماني قطاع الطاقة، حيث أشار المستشار الألماني أولاف شولتس، إلى أنه كان من الصواب فرض العالم عقوبات مؤثرة على روسيا بشكل موحد وسريع، في أعقاب القرار الروسي بيع الغاز بالروبل.
وأبدت الخارجية الألمانية تأييدها المبدئي لخطط المفوضية الأوروبية فرض حظر على استيراد الفحم الروسي، مطالبة بجدول زمني للتخلي الكامل عن واردات الطاقة الأحفورية الروسية.
وعقوبة حظر استيراد الفحم رمزية، لأن الاتحاد الأوروبي مشتر ثانوي. وبلغت قيمة الصادرات الروسية من الفحم العام الماضي للاتحاد 4 مليارات يورو، بحسب خضر.
وعن سبب الموقف ألمانيا الجديد من الفحم، يلفت خضر إلى أن صادرات الفحم الروسي لألمانيا هي 2.2 مليار يورو، ويمكن استبداله.
وبحلول الشتاء يمكن الاستغناء عن الفحم الروسي، واستيراد فحم من الولايات المتحدة أو جنوب أفريقيا أو أستراليا أو كولومبيا أو إندونيسيا أو موزمبيق.
مصير العلاقات
بالتزامن مع ذلك، أكد شولتس أن بلاده سترسل كل الأسلحة التي يمكن تسليمها بسرعة من مخزونات القوات الألمانية إلى كييف.
وتسلمت أوكرانيا 1000 قطعة سلاح مضاد للدبابات و500 صاروخ أرض جو من طراز "ستينغر"، و500 صاروخ دفاع جوي من طراز "ستريلا" من ألمانيا.
ويعلق خضر بأن السياسة الألمانية تعتمد على سحب الصراع إلى طاولة المفاوضات، ولكن هذا لا يسحب "الحق" من الشعب الأوكراني في الدفاع عن نفسه وإيجاد حل للمفاوضات بتسليمه أسلحة دفاعية، في إشارة لتقوية موقفه خلال التفاوض.
أما عن مستقبل العلاقات، فيستبعد بركات أن يذهب موقف ألمانيا إلى قطع العلاقات مع روسيا، نظرا للمصالح الاقتصادية، واعتماد ألمانيا على 45 بالمئة من الطاقة الروسية.
ويتفق خضر مع بركات، قائلا إن الخلاف الراهن يدور في إطار المناوشات من دون أن يتصاعد.