على وقع ما يبدو، حسب مراقبين ونقاد ثقافيين، كحلقة جديدة من سلسلة استهدافات للثقافة الروسية ورموزها ومنتجاتها في عدد من البلدان الغربية، استدعت وزارة الخارجية الروسية السفير الفنلندي لدى موسكو، للاحتجاج على مصادرة بلاده أعمالا وقطعا فنية تملكها متاحف روسية، تبلغ قيمتها أكثر من 40 مليون يورو (نحو 45 مليون دولار أميركي)، وذلك خلال مرورها عبر فنلندا، محملة هلسنكي المسؤولية في حال تعرضت القطع للتلف.
وكانت هذه الأعمال في طريق العودة إلى روسيا عبر فنلندا، بعد إعارتها لمتاحف في إيطاليا واليابان.
ويرى مراقبون أن هذه الحادثة تندرج في سياق توسع المواجهة بين روسيا والغرب، لتطال الجوانب الثقافية والفنية، مشيرين في هذا المضمار إلى حوادث مشابهة تعلقت بحظر رموز ثقافية وأدبية ورياضية روسية في عدد من البلدان الغربية.
ولعل أكثر ما أثار الغضب بشأن تلك الخطوة في الأوساط الثقافية حول العالم، هو استنكارها زج الثقافة في أتون الصراعات السياسية والاقتصادية بين الدول وتحويلها لمجرد أداة حربية، فيما يفترض أنها تعبر عن قيم معنوية وروحية عميقة مشتركة وعابرة لاختلافات السياسة وصراعات المصالح والنفوذ.
وتعليقا على اتساع نطاق المواجهة الغربية مع روسيا لتشمل ميادين ثقافية وفنية، يقول رئيس المركز الثقافي الروسي العربي، في سان بطرسبورغ، مسلم شعيتو، لموقع "سكاي نيوز عربية": "هذا يعكس أننا حيال حرب حضارية وثقافية بين واشنطن وحليفاتها من جهة، وموسكو من جهة".
ويتابع: "لهذا نرى الإيغال في محاربة الثقافة الروسية ورموزها وهي المعروفة بعراقتها وتعدديتها واحتفائها بالمكونات القومية والدينية والطائفية المختلفة المكونة للاتحاد الروسي، سعيا وراء ضمان سيادة النمط الثقافي الأميركي الاستهلاكي حول العالم، والقائم على جملة قيم بسيطة تضخها وسائل التباعد وليس التواصل الاجتماعي كما أسميها، بهدف قولبة العالم وتنميط المجتمعات العالمية وفق رؤية أحادية أميركية".
ويضيف شعيتو: "لا يحق لفنلندا بهذا الشكل التعسفي مصادرة قطع وأعمال ثقافية وفنية نفيسة روسية، بحجة تقيدها بالعقوبات الأوروبية المفروضة على موسكو، لا قانونيا ولا أخلاقيا".
ويستطرد: "وكأن فنلندا صادرت دبابات وصواريخ وليس تماثيلا ومنحوتات جمالية وفنية لا تقاس بثمن مادي لعراقتها، وروسيا قادرة على الرد بقوة على فنلندا وعلى من يحرضها في شتى المجالات، لكنها ما زالت تترفع عن ذلك، من باب القوة والترفع عن النزول لشيطنة الآخر ومحاربته حتى في ثقافته ورموزها".
من جانبه، يرى الناقد الفني، بختيار سعد، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "إن إقحام الثقافة في الصراع الدائر حاليا بين روسيا والغرب هو مؤشر مقلق، يدفع الصراع نحو أفق خطيرة، ويسهم في التجييش الشعبي والمجتمعي في الدول المعنية والفاعلة في هذا الصراع ضد بعضها البعض، وهذا تأسيس لصراعات مديدة ومضرة".
ويتابع: "ما الحكمة من حجز تماثيل وتحف ومنحوتات أثرية وفنية، سوى تعميق الأزمة ودفعها نحو التجذر لتبلغ مستويات ثقافية وروحية!، وهذا بمثابة صناعة متاريس ثقافية وزرع البغضاء بين الثقافات العالمية، التي هي في النهاية روافد تصب في نهر الثقافة العالمية".
وأكدت الجمارك الفنلندية أن السماح بعبور هذه الأعمال، "يتعارض مع العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي" منتصف مارس على روسيا، ردا على حربها في أوكرانيا.
وأوضح مدير إدارة تطبيق قانون الجمارك الفنلندية، هانو سينكونن، أن المجموعات الثلاث "تضم أعمالا لا يمكن تقييمها، فهي لا تقدر بثمن".
وأضاف: "لكن لأسباب تتعلق بالتأمين، قدرت اللوحات والتماثيل والقطع الأثرية الأخرى بمبلغ إجمالي قدره 42 مليون يورو".
وأكدت هلسنكي أنه سيتم التحفظ على الأعمال والقطع الثقافية الروسية، "ريثما ينجلي الموقف أو لحين رفع العقوبات عن موسكو".