لا يزال الجدل مستمرًا في الأوساط الأوروبية بشأن توسيع العقوبات ضد روسيا لتطال قطاع الطاقة بما في ذلك الفحم، بالتزامن مع اتهام موسكو بارتكاب فظائع ضد مدنيين أوكرانيين في مدينة بوتشا الواقعة خارج العاصمة كييف.

يأتي ذلك في الوقت الذي يتعرض الأوروبيون لضغوط من أجل استهداف عقوباتهم قطاع الطاقة الحيوي لروسيا لإجبار الرئيس الروسي فلاديمير بوتن على إيقاف حربه، في حين أبدت ألمانيا اعتراضًا على حظر واردات الفحم في الوقت الراهن.

ويرى محللون لقطاع الطاقة، أنَّ هناك بدائل عدّة أمام دول الاتحاد الأوروبي لتعويض الفحم الروسي من بينها الولايات المتحدة وأستراليا وكولومبيا وجنوب إفريقيا، موضحين أن تأثيره سيكون الأخف وطأة حال المضي في قرار الحظر، بالمقارنة بالنفط والغاز الروسي.

سلاح الطاقة.. ورقة بوتين الرابحة ضد الغرب

كان تقرير لوزارة الاقتصاد الألمانية، أظهر أن برلين ستضطر على الأرجح لوقف تشغيل بعض محطاتها للكهرباء إذا أنهت واردات الفحم من روسيا على الفور، رغم أن اعتمادها على روسيا في ذلك الوقود ينكمش سريعا.

واعتمد البرلمان الأوروبي اليوم بأغلبية كبيرة قرارا يدعو إلى الحظر "الفوري والشامل" لكل واردات "النفط والوقود النووي والفحم والغاز" القادمة من روسيا.

أخبار ذات صلة

أميركا تنهي "علاقاتها التجارية الطبيعية" مع روسيا
الكرملين ردا على عقوبات ضد بنات بوتن: مجرد سعار غربي
شل: انسحابنا من روسيا سيكبدنا خسائر بقيمة 5 مليارات دولار
لـ"تدمير آلة الحرب".. لندن تفرض عقوبات جديدة على روسيا

 احتياجات الكهرباء

وعلى الرغم من الدعوات لتخفيض استخدامه بسبب تأثيره البيئي، إلا أن بيانات الوكالة الدولية للطاقة، تشير أنه لا يزال أكبر مصدر لتوليد الكهرباء في العالم حتى الآن، إذ يوفر نحو 38 بالمئة من الحاجة العالمية للكهرباء، متفوقا عن الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة.

وبحسب بيانات الوكالة، فإن حجم الإنتاج العالمي للفحم تجاوز 7.9 مليارات طن.

وصدرت روسيا 238 مليون طن من الفحم في عام 2021، مع توجيه 90 مليون طن من هذا الحجم إلى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأوروبية، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية.

وتحتل الصين صدارة دول العالم استهلاكا للفحم، بواقع 4140109 آلاف طن العام الماضي، بفارق كبير عن الهند التي استهلكت 932189 ألفاً، ثم الولايات المتحدة ثالثة بـ650302 ألف، وروسيا رابعة بـ238444 طناً، وألمانيا خامسة بـ225249 ألفاً.

وقال مستشار الاقتصاد السياسي المقيم في باريس، أحمد إسماعيل، في تصريحات خاصة لـ"سكاي نيوز عربية، إنَّ روسيا هي أكبر مورد للفحم في الاتحاد الأوروبي بنحو 45 بالمئة من الواردات، في حين تعد ألمانيا وبولندا وإيطاليا وهولندا أكبر مستوردي الفحم الروسي في دول الاتحاد.

وأوضح إسماعيل أن الاتحاد الأوروبي يخطط للتخلص التدريجي من واردات الفحم الروسي في فترة 3 إلى 4 أشهر، بحلول منتصف أغسطس المقبل كما هو متوقع، بما يؤثر على الاقتصاد الروسي بخسارة 4 مليارات يورو سنويًا.

عقوبات غربية جديدة.. وموسكو تعود إلى قاعدة الذهب

 البديل السهل

وأشار مستشار الاقتصاد السياسي أن استبدال الفحم الروسي يعتبر مهمة أسهل مقارنة باستبدال الغاز والنفط، ومن المحتمل أن تتمكن الولايات المتحدة وأستراليا وكولومبيا وجنوب إفريقيا من سد تلك الفجوة.

وأضاف أنه يمكن لدول الاتحاد الأوروبي أيضًا زيادة الإنتاج المحلي، إذا حدثت احتياجات ملحة، ولكي يحدث ذلك، يُمكن للسلطات الأوروبية تخفيف القواعد البيئية الصارمة التي تم فرضها كجزء من خطط الاتحاد الأوروبي لانتقال الطاقة النظيفة، ومع ذلك، من المتوقع أن يكون للزيادة في الطلب تأثير على أسعار الفحم العالمية، والتي سترتفع، وبالتالي من المحتمل أن تواجه الشركات والأسر الأوروبية فواتير طاقة أعلى.

بدوره، قال الخبير المتخصص في قطاع النفط والغاز ومؤسس شركة "فيروسي" لإدارة الاستثمارات والاستشارات المالية سيريل ويدرسهوفن، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن إيجاد خيارات أخرى للفحم ليس بالأمر السهل، ففي السنوات الأخيرة تم تخفيض إنتاج الفحم، وبالتزامن لم يتم التحرك للاستثمارات في تعدين الفحم.

وأضاف: "إذا قمنا بحظر الفحم، فستكون هناك حاجة إلى آخرين، وربما يكون أحد الخيارات هو أستراليا، حيث تضررت مؤخرًا من صراعات الفحم مع الصين".

وأشار ويدرسهوفن، إلى أننا نتجه إلى الصيف، لذلك ستكون الحاجة إلى الغاز الطبيعي والفحم أقل في الأشهر القادمة، ويعتمد بعض السياسيين في قراراهم على طقس أفضل، ودرجات حرارة أعلى، والمزيد من طاقة الشمس الرياح، لكن لا تزال النتيجة غير واضحة، حيث كانت درجات الحرارة في الأسابيع الماضية أقل بكثير من أي وقت مضى في القرن الماضي.

وكانت المفوضية الأوروبية اقترحت هذا الأسبوع على الدول الأعضاء السبع والعشرين وقف مشترياتها من الفحم الروسي، وإغلاق الموانئ الأوروبية أمام السفن الروسية.

لكن مصدرًا بالاتحاد الأوروبي، قال إن مبعوثي الاتحاد من المقرر أن يوافقوا على حظر استيراد الفحم الروسي بشكل كامل، اعتبارًا من منتصف أغسطس المقبل، ليؤجل بذلك حظره لمدة شهر إضافي، بعد ضغوط ألمانية.

وفي وقت سابق، قال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، لويس ميغيل بوينو، لـ"سكاي نيوز عربية"، إن الاتحاد الأوروبي يعمل على تخفيف التأثيرات المترتبة على ارتفاع أسعار الطاقة، وتنويع مصادر الغاز في الشتاء المقبل، والتعجيل بالتحول إلى الطاقة النظيفة.

أخبار ذات صلة

هل تفجر أحداث بوتشا العقوبات الغربية على الغاز الروسي؟
تستهدف الاستثمارات.. عقوبات أميركية جديدة منتظرة على روسيا

 قضية سياسية

ويعتقد ويدرسهوفن، أن حظر دخول الفحم الروسي إلى أوروبا يعد قضية سياسية، لا تستند فقط إلى حرب أوكرانيا والفظائع في بوتشا وأماكن أخرى، والسبب الأساسي هو أيضًا أنه بسبب النقص المحتمل في النفط والغاز في الوقت الحالي، تتجه الطاقة الأوروبية نحو زيادة استخدام الفحم بشكل عام، وهو ما يتعارض مع استراتيجيات خفض استخدام الهيدروكربون وانبعاثاته.

ويعمل الفحم في الوقت الحالي على رفع الانبعاثات بشكل عام في الاتحاد الأوروبي، لذا فإن إجراءات الحظر مرتبطة بهذا الأمر، وفق الخبير المتخصص في قطاع النفط.

وقلل ويدرسهوفن، من تأثير الحظر المتوقع لواردات الفحم الروسي على الأسواق، قائلًا إنه بالنظر إلى دور الفحم الروسي الذي يتجه بشكل أساسي إلى أسواق مثل ألمانيا، فلن يكون له تأثير قوي بشكل إجمالي، وكذلك الحال بالنسبة لروسيا في الوقت نفسه، فهي تمثل نحو 1.5 إلى 3 بالمئة فقط من إجمالي صادرات الطاقة، لذا لن يكون التأثير قويًا للغاية بالنسبة لموسكو.

وأضاف: "بشكل عام، فإن عقوبات الفحم ليست سوى زيادة أخرى للعقوبات الإجمالية المّطبّقة، مع الإشارة إلى أن مزاج السياسيين الأوروبيين آخذ في التغيّر، حتى أنهم يفكرون في منع إمدادات الطاقة الروسية في المستقبل ويرغبون في ذلك، ومن ثمَّ يجب اعتبارها إشارة واضحة وليست زيادة ضارة للعقوبات التي تجبر بوتين على إنهاء حربه".