فيما تتصاعد الخلافات بين موسكو وكبرى العواصم الغربية على وقع الأزمة الأوكرانية، ويتم تبادل فرض العقوبات وطرد الدبلوماسيين والإجراءات التصعيدية المتبادلة بين الجانبين، تحاول أوتاوا، وفق مراقبين، الحفاظ على قنوات التواصل الدبلوماسية مع موسكو، معلنة رفض طرد الدبلوماسيين الروس لديها.
وقال رئيس الحكومة الكندية، جاستن ترودو، إن كندا لن تطرد الدبلوماسيين الروس، لأن الطرد المحتمل للدبلوماسيين الكنديين من موسكو الذي سيعقب ذلك، سيحرم كندا من معلومات حول ما يحدث في روسيا.
وأضاف ترودو، وفق راديو كندا: "من الأفضل الإبقاء في موسكو على كنديين استثنائيين يخبروننا بما يفعله الروس ويحافظون على التواصل مع المجتمع المدني، ويدعمون الكنديين وغيرهم ممن يتواجدون على الأراضي الروسية".
وأكد رئيس الوزراء الكندي أن الدبلوماسيين الروس الموجودين في البلاد، "لا ينشرون معلومات مضللة، كما أن الإيماءة الرمزية لطردهم ستكون لها عواقب لا تستحق مثل هذا العناء".
ويرى مراقبون في هذا الموقف الكندي اللافت تعبيرا، عن التمايز عن موقف الكتلة الغربية الأطلسية، وعن الرغبة في إبقاء جسور التواصل الدبلوماسية مع موسكو، ولو في حدودها الدنيا، وعدم قطعها تماما.
وهذا ما قد يقود وفقهم لدور كندي أكبر في محاولات حل الأزمة الأوكرانية ووقف الحرب، لما تتمتع به أوتاوا من مكانة كإحدى أكبر الدول الغربية، ومن أقواها اقتصاديا.
وتعليقا على طبيعة الدور الكندي في الأزمة الأوكرانية، ومغزى موقف أوتاوا هذا، يقول رئيس مركز صقر للدراسات، مهند العزاوي، في لقاء مع موقع "سكاي نيوز عربية": "صحيح أن كندا ضمن الدول الغربية والأعضاء في حلف شمال الأطلسي، التي فرضت عقوبات على موسكو، والرئيس الروسي فلاديمير بوتن، ووزير الخارجية سيرغي لافروف، وهي تدعم أوكرانيا من خلال العقوبات على روسيا، ومن خلال مد كييف بالسلاح لمواجهة الجيش الروسي، لكنها في نفس الوقت منعت جنودها ومواطنيها من الانضمام إلى الفيلق الدولي، الذي شكله الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لمقاومة القوات الروسية".
وتتخذ كندا هذه الإجراءات المضادة لروسيا، وإن حاولت عدم الإيغال كثيرا فيها، كما يقول العزاوي، "تماشيا مع اصطفافها في المحور الغربي الأطلسي، كونها عضوا في حلف الناتو، وحلف العيون الخمس مع الولايات المتحدة، وبريطانيا، أستراليا، ونيوزيلندا، لكن من المستبعد أن تذهب بعيدا نحو القطيعة الشاملة مع روسيا".
وتابع: "يأتي ذلك نظرا لوجود معارضة داخلية في البلاد ضد تصعيد التوتر مع موسكو، فضلا عن أن صانع القرار الكندي حريص على عدم استفزاز "الدب الروسي" بشكل كامل، وعلى المراعاة البراغماتية للمصالح المشتركة بين الجانبين اقتصاديا، وفي سياق محاربة الإرهاب، ولكونهما بلدين متجاورين وبينهما مجالات نفوذ حيوية جامعة كالقطب الشمالي".
وأضاف: "من هنا، يمكن فهم مغزى الإعلان الكندي الرافض لطرد الدبلوماسيين الروس من أراضيها، خاصة أنه جاء في ظل تصاعد حالات الطرد المتبادل للدبلوماسيين، بين روسيا وعدد من الدول الغربية، الأوروبية منها خصوصا".
من جانبه، يقول الكاتب والمحلل السياسي، جمال آريز، لموقع "سكاي نيوز عربية": "صحيح أن كندا قوة اقتصادية كبيرة وممثلة في مجموعة السبع ومجموعة العشرين، لكنها سياسيا وعسكريا ليست من الدول المحورية في الكتلة الأطلسية والغربية، مما يجعل تأثيرها محدود النطاق نسبيا في تحديد طبيعة مقاربات الدول الغربية حيال الأزمة الأوكرانية".
لكن مع ذلك، أضاف آريز: "إشارتها هذه لعدم نيتها طرد دبلوماسيي روسيا لديها، قد تشكل علامة فارقة على رغبتها في الاضطلاع بدور ملموس وفاعل في تغليب خيارات الحوار والتفاوض وتبادل وجهات النظر بانفتاح، على خيارات التصعيد وغلق المسامات الدبلوماسية بين الغرب وروسيا".
واستطرد: "يمكن لأوتاوا مثلا لعب دور تقريبي بين وجهات نظر الجانبين الروسي والأميركي، رغم أنها هي ذاتها تشارك في فرض العقوبات على الجانب الروسي وتسهم في مساعدة أوكرانيا عسكريا وماليا".
وقال آريز: "بيد أنها بهذه اللفتة الدبلوماسية يمكنها البناء عليها ولعب دور قد يصنع فارقا ويسهم في فتح كوة في جدار التصادم الروسي الغربي، ويفسح المجال لانفراجات لا بد منها لتفادي حصول الأسوأ في ظل التصعيد المتبادل، ومن يدري فربما هذا التحرك الكندي يتم بضوء أخضر أطلسي وفي سياق توزيع الأدوار بين دول الكتلة الأطلسية من الأزمة الأوكرانية".
تجدر الإشارة إلى الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية، من بينها فرنسا وألمانيا، طردت عشرات الدبلوماسيين الروس المعتمدين لديها على خلفية الحرب في أوكرانيا، وهو ما ردت عليه روسيا بالمثل .