بعد أيام من تعليق روسيا محادثات سلام مع اليابان بسبب العقوبات التي فرضتها طوكيو عليها بعد عمليتها العسكرية في أوكرانيا، تجري موسكو مناورات على سلسلة جزر "الكوريل" التي يتنازع الجانبان عليها، وهو ما يؤجّج التوتر وسط مخاوف من وقوع صدام.
وقبل أيام، أعلنت وزارة الخارجية الروسية في موسكو أنها ستوقف المحادثات، ووصفت ذلك بأنه رد فعل على "خطوات غير ودية" من جانب طوكيو، كما ألغت روسيا اتفاقًا لسفر اليابانيين بدون تأشيرة إلى جزر الكوريل، وألقت موسكو باللوم على طوكيو، قائلة إن الحكومة اليابانية "اختارت عمدًا مسارًا معاديًا لروسيا بدلًا من تطوير تعاون متبادل المنفعة وعلاقات جوار".
والسبت، كشفت وكالة "إنترفاكس" الروسية للأنباء أن المنطقة العسكرية الشرقية في روسيا أعلنت إجراء مناورات عسكرية في جزر الكوريل بمشاركة أكثر من 3000 جندي ومئات من القطع العسكرية.
وأوضحت أن "المناورات الروسية تضمنت صد الحروب البرمائية واختبار المهارات لتشغيل أنظمة التحكم في إطلاق النار للصواريخ الموجّهة المضادة للدبابات، وبالإضافة إلى ذلك، تقوم وحدات من قوات الدفاع الجوي بتنفيذ مجموعة من الإجراءات لرصد وتحديد وتدمير طائرات لعدو وهمي يقوم بهجوم جوي".
مخاوف يابانية من صدام
وتسود مخاوف من صدامٍ بين الجانبين من جراء هذه المناورات، حيث قال مونيو سوزوكي، عضو مجلس الشيوخ في البرلمان الياباني، إن إلغاء المفاوضات مع روسيا حول جزر كوريل وإبرام معاهدة سلام قد ينتهي بصدامٍ بين البلدين بسبب زيادة نفوذ واشنطن على طوكيو.
وأضاف البرلماني الياباني، في مقابلة مع مجلة "Shukan Gendai": "بعد توقف المفاوضات حول معاهدة سلام مع روسيا والمناطق الشمالية، قد يزداد التأثير الأميركي على اليابان لتصطدم في النهاية مع روسيا".
بدوره، قال المحلل السياسي الإيطالي في موقع "ديكود 39"، ماسيميليانو بوكوليني، إن "هناك مخاوف يابانية حقًّا من احتمال نشوب صراع مع روسيا، وتخشى طوكيو على وجه الخصوص استخدام روسيا للقنبلة الذرية".
وأضاف بوكوليني، لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "المخاوف عبّر عنها رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا خلال زيارة لهيروشيما أمس، حيث أكد أن احتمال استخدام روسيا للأسلحة النووية أصبح أكثر واقعية".
وأشار إلى أن "الحرب العالمية الثانية لم تنتهِ أبدًا بالنسبة إلى روسيا واليابان، وزاد من حدتها موقف طوكيو من حرب أوكرانيا، فبالإضافة إلى استبعاد موسكو من سويفت، جمدت اليابان أصولًا لأشخاصٍ ومؤسسات روسيا، كما قامت بإيماءة غير مألوفة، حيث أرسلت معدات دفاعية إلى الخارج وأظهرت إمكانية القدرة على دعم كييف ماديًّا أيضًا".
ولفت إلى أنه "لا يمكن لليابان أن تكون محايدة في الأزمة الأوكرانية؛ لأن حكومتها قالت بالفعل إنّ العملية الروسية في أوكرانيا هي مسألة تتعلق بالأمن القومي"، مؤكّدًا أن "رد اليابان على الاستفزازات الروسية سيكون عبر مزيد من العقوبات".
سيناريو 1904
من جهته، قال الخبير في الشؤون الدولية والاستراتيجية، أنس القصاص، إن "روسيا لا يمكن توقّع ردود فعلها خاصة بعد حرب أوكرانيا"، لافتًا إلى أن هذه الجزر شهدت الحرب الروسية اليابانية في 1904 وكانت سببًا رئيسيًّا في سقوط القيصر نيقولاي الثاني وقيام الثورة البلشفية.
وأضاف القصاص، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "روسيا قوة أوروبية وليس آسيوية، وفكرة قيام حرب واقعيًّا صعبة. موسكو في وضع حرج في الحرب الأوكرانية ولا تستطيع أن تفتح جبهة جديدة".
واعتبر أن "ما يحدث حاليًّا من قطع للمفاوضات ثم إجراء مناورات عسكرية هو محاولة لاستفزاز اليابان بعد موقفها من الأزمة الأوكرانية وعلاقتها الوطيدة مع الولايات المتحدة، حيث إنه توجد بها أكبر قوة عسكرية أميركية خارج الولايات المتحدة، وبها قاعدة الأسطول السابع الأميركي".
وحول ردود اليابان المتوقعة، استبعد المتحدث أي خيار عسكري، فيما أكّد أنها ستكون عبر مزيدٍ من العقوبات والحلول الدبلوماسية والتجارية.
ولطالما كانت العلاقات بين اليابان وروسيا معقدة، ولم يوقع البلدان معاهدة سلام بعد الحرب العالمية الثانية بسبب خلاف حول 4 جزر صغيرة تكوّن أرخبيل الكوريل.
وسيطر الجيش السوفياتي على تلك الجزر في الأيام الأخيرة من الحرب ولم تتم إعادتها منذ ذلك الحين إلى طوكيو التي تسمّيها "الأقاليم الشمالية".
ولم تنجح المفاوضات بين البلدين منذ تفكك الاتحاد السوفياتي.