دفعت أزمة أوكرانيا الاتحاد الأوروبي لاتخاذ خطوة يراها أوروبيون تأخرت 15 عاما نحو الاستقلال العسكري عن حلف الناتو والمظلة الأميركية؛ ما يؤشر لتغيير كبير في موازين القوى الدولية وخريطة التحالفات.

 وأقر اجتماع وزراء الخارجية والدفاع بدول الاتحاد الأوروبي، الإثنين، تشكيل قوة قوامها 5 آلاف مقاتل، وزيادة ميزانية الإنفاق العسكري لتنفيذ التدخلات بمفرده مع حلول عام 2025.

ووفق مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد جوزيب بوريل، فإن البوصلة الإستراتيجية الجديدة للاتحاد ليست للرد على الحرب في أوكرانيا فقط، بل جعل أوروبا أقوى عسكريا.

وبتعبيره، فإن الناتو لا يوفر حلا للمشكلات التي تواجه الاتحاد الأوروبي.

وكشفت أزمة أوكرانيا ثغرات في بعض الجيوش الأوروبية، ومنها ألمانيا التي أعلن قائد جيشها، الجنرال ألفونس ميس، في فبراير، إحباطه لأن الجيش "في وضع سيء"، وبعدها بأيام اتخذت برلين قرارات "ثورية" لتقوية الجيش، فأعلنت استثمار 100 مليار يورو في المعدات العسكرية هذا العام، وتخصيص 2 بالمئة من إجمالي إنتاجها الداخلي للدفاع سنويا.

وفي قمة فرساي، مطلع مارس، حصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على موافقة كل الدول على تخصيص 2% من ميزانيتها للجانب الدفاعي في 2024 لدعم تأسيس جيش أوروبي خارج مظلة الناتو والتبعية الأميركية.

وثيقة الاتحاد

تضمنت وثيقة اجتماع وزراء الدفاع والخارجية بالاتحاد تشكيل قوة الرد من مجموعات قتال تم تشكيلها 2007، وتتكون من قوات برية وبحرية وجوية مجهزة لتنفيذ تدخلات لإجلاء الأوروبيين العالقين في أوكرانيا.

وعن هذا التطور، يقول خبير الشؤون الأوروبية محمد رجائي بركات لموقع "سكاي نيوز عربية" إن البوصلة الاستراتيجية تتجه لضمان حماية دول الاتحاد من التهديدات المتزايدة، خاصة الروسية والصينية، وتطوير قدراته في نشر قوة تدخل سريع تحت الراية الأوروبية حفاظا على مصالحه في البر والبحر وكذلك الفضاء.

ويجد المحلل السياسي طارق زياد وهبي أن الأزمة الأوكرانية وضعت الاتحاد أمام "العمود الأمني" الذي يفرض عليه رفع نسبة التمويل للدفاع.

ويوضح وهبي لـ"سكاي نيوز عربية" أن الإستراتيجية الجديدة للاتحاد تسير باتجاه تطوير الأسلحة وخوارزميات الأنظمة الإلكترونية، ورفع موازنات الصد الإلكتروني من الطائرات المسيرة والتجسس الفضائي والحرب السيبرانية، وإعداد موازنة لهيكل إداري يشبه الناتو مسؤول عن المناورات.

أحد أفراد قوات الناتو في أفغانستان

 تحديات المهمة

ورغم مشاركة دول الاتحاد في مشروعات تطوير أسلحة بنحو 9.46 مليار دولار، وتمويل المفوضية الأوروبية صندوق الدفاع الأوروبي بنحو مليار يورو سنويا، فإن الدعم المالي يظل أهم التحديات، خاصة وأن 80% من الإنفاق الدفاعي للناتو مصدره دول غير أعضاء بالاتحاد، إضافة إلى افتقار دول الاتحاد القدرات التدريبية وجمع المعلومات والقيادة مقارنة بواشنطن.

ويرجح وهبي أن أوروبا ستستطيع تخطي الحواجز المالية، وقد يلجأ الاتحاد لتجميد قرار تخطي 1.5% من نسبة العجز في موازنة الحكومات حتى تستطيع جدولة المشاريع العسكرية، وتصويت المفوضية والبرلمان الأوروبيين على موازنة اتحادية تستفيد منها الدول في التدريبات.

بينما يتوقع بركات أن عددا محدودا من دول الاتحاد تستطيع المساهمة في الإنفاق العسكري.

تغيير المعادلة

والحديث عن الجيش الأوروبي يتصدر المناقشات الأوروبية منذ 2007 وسط مطالب حثيثة بإنشائه بعيدا عن حلف الناتو.

وأحيت الحرب الأوكرانية الفكرة، ويقول بركات: "إن تكوين الجيش الأوروبي لم ينجح في السابق لغياب الإمكانيات المالية والعسكرية ورغبة بولندا وبعض دول البلطيق في الاستمرار تحت المظلة الأميركية".

وبحسب وهبي، فالجندي الأوروبي أصبح حلما كالعملة الأوروبية لتوفير الأمن، لاسيما وأن الأزمة الأوكرانية غيرت كل المواثيق، ودعمت فكرة ماكرون في رمزية الجيش الأوروبي، والتنسيق العسكري بين باريس وبرلين الأكثر دعما لاستقلال أوروبا عسكريا.