يسعى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لكسب قلوب الفرنسيين وعقولهم، أملا في ولاية جديدة في الانتخابات الرئاسية المقررة في أبريل المقبل، في خضم أزمة دولية كبرى انخرطت فيها باريس وسيطة لتهدئة الصراع بين روسيا وأوكرانيا.
ويبدو ماكرون محظوطا، وفق استطلاعات الرأي التي أجريت أخيرا، إذ رجحت فوزه بالانتخابات الرئاسية بنسبة 58 في المئة من الأصوات، في مواجهة منافسته الأبرز زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني مارين لوبان.
وطبقا للاستطلاع الذي أجرته مؤسسة "هاريس إنتيرأكتيف"، فإن ماكرون سيتقدم بنسبة 30 في المئة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية على مارين لوبن التي ستنال 19.5 في المئة، وسينال جون لوك ميلينشون 13.5 في المئة، الذي صعد إلى المركز الثالث في الاستطلاعات.
ويتنافس ماكرون مع 11 مرشحا آخر في الانتخابات الرئاسية المرتقبة.
ودفعت الحرب الأوكرانية بماكرون إلى صدارة المشهد المحلي والدولي خلال الأسابيع الماضية، بعد محاولاته المستمرة للضغط على نظيره الروسي فلاديمير بوتن للتراجع عن التصعيد العسكري.
ويجد معارضوه في الأمر فرصة لانتقاده، بسبب "عدم" تركيزه على حملته الانتخابية، وشرح برنامجه الانتخابي للسنوات الخمس المقبلة.
كما أنه منذ إعلان ترشيحه مطلع الشهر الجاري، لم يعقد ماكرون سوى تجمع واحد مع فرنسيين، في حين يقوم بزيارة إلى جنوب غرب البلاد الجمعة، يعود بعدها ويحد من نشاطه كمرشح.
وقد يكون ذلك السبب وراء المؤتمر، الذي عقده ماكرون الخميس، أمام عدد كبير من الصحفيين، للكشف عن الخطوط العريضة لبرنامجه الانتخابي، خاصة 30 نقطة من أبرز إجراءاته.
ولم تغب أزمة أوكرانيا عن مؤتمر ماكرون، الذي قال إنه يرى أن العالم الآن عند مفترق طرق، وإن فرنسا بوسعها أن تصنع فارقا، متعهدا بأن يقود دفة بلاده ليعبر بها مما سماه بزمن أزمات جديد، إذا فاز بولاية رئاسية ثانية.
ووعد الرئيس الفرنسي بـ"أمة أكثر استقلالا"، ولا سيما على الصعيد العسكري للدفاع عن فرنسا بوجه الأزمات المستقبلية.
وأضاف أن جعل فرنسا دولة أكثر اعتمادا على نفسها ولديها اكتفاء ذاتي سيكون هدفا رئيسا، مع بداية رسم ملامح برنامجه، بمقترحات تنوعت بين ضخ "استثمارات ضخمة" لتحقيق الاستقلال الصناعي والزراعي لفرنسا والمضي قدما في بناء المزيد من المفاعلات النووية وتعزيز قوة الجيش.
ضغوط التاريخ والسياسة
ويرى مدير الاستراتيجيات والتسليح بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية المتخصص بمجال الشؤون الدولية ومقره لندن، وليام ألبيركي، أنه يتفهم رغبة ماكرون في الانخراط بالوساطة بين روسيا وأوكرانيا وتهدئة الصراع بينهما، مدفوعا بالضرورات التاريخية والسياسية، بما في ذلك تقييمه خلال العملية الانتخابية المقبلة.
وأوضح ألبيركي في حديث خاص لموقع"سكاي نيوز عربية"، أنه سيتعين على فرنسا ورئيسها ماكرون تجنب السعي وراء النتائج المفضلة لديهم من تلك الأزمة، وبدلا من ذلك التحدث فقط نيابة عن أوكرانيا، ضمن خطوطهم الحمراء.
وعن قيام ماكرون بلعب هذا الدور على وجه التحديد، واتصالاته المستمرة مع الرئيس الروسي، أشار ألبيركي إلى أن بعض القادة يسعون إلى القيام بدور نشط في المفاوضات كلما حدثت أزمة عالمية.
ويرى ألبيركي أن الرئيس الفرنسي يتعرض لضغوط تدفعه للقيام بهذا الدور في الوقت الراهن، خاصة بالنظر إلى أن باريس مقبلة على انتخابات رئاسية بعد فترات صعبة، ويريد أن يُنظر إليه على أنه لاعب عالمي لحلحة التحدي الراهن.
وكان ماكرون، الذي وصل إلى السلطة عام 2017 كمرشح مستقل، وواجه عددا من الصعوبات في ولايته الأولى، بعدما قرر رفع ضريبة الوقود التي أثرت على البلدات الصغيرة والأرياف خصوصا، وأدت إلى اندلاع احتجاجات "السترات الصفر"، وكذلك الإغلاق الاقتصادي تحت وطأة جائحة كورونا التي أزهقت أرواح أكثر من 140 ألف مواطن فرنسي.
سوابق تاريخية
ولفت وليام ألبيركي إلى أن فرنسا اعتادت لعب دور الوسيط في مرات سابقة، إذ انخرطت في القيام بهذا الدور عام 2014 في حرب القرم، وكررت الأمر ذاته عام 2008 عندما هاجمت روسيا جورجيا.
ومع ذلك، فإن الرغبة في أن تلعب باريس دورا إيجابيا تنطوي أيضا على عدة مخاطر، إذ قد تسعى روسيا إلى فصل فرنسا عن أوكرانيا من خلال تقديم تنازلات يعرف الرئيس الروسي فلاديمير بوتن أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لا يستطيع قبولها، وبالتالي فإن قيام فرنسا بالضغط على أوكرانيا سيكون أسوأ.
لكنه رغم ذلك، يرى الخبير البريطاني أن ماكرون حتى الآن لعب دوره بأمانة "وهذا أمر جيد"، ففي الواقع عرض الرئيس الفرنسي على نظيره الأوكراني زيلينسكي التحدث إلى بوتن، وهو ينسق بشكل وثيق قبل وبعد كل مكالمة.
ومنذ لقاء ماكرون وبوتن في الكرملين في 7 فبراير، أجرى الرئيس الفرنسي 11 اتصالا مع نظيره الروسي، في خضم ضغط أوروبي على روسيا لإنهاء هجومها العسكري، من خلال تلويحهم بفرض عقوبات جديدة "واسعة النطاق" على موسكو ومضاعفة تمويل الأسلحة لأوكرانيا.
وشدد مدير الاستراتيجيات بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، على أنه رغم استمرار الحرب فمن الصعب الحديث عن تعثر وساطة ماكرون، ففي المفاوضات الدولية قد يكون من الصعب للغاية تحقيق النجاح بسهولة خاصة بالنظر إلى الموقف الروسي المتعنت.
وأضاف:"من الضروري تماما لماكرون، أو أي شخص يتحدث إلى بوتن نيابة عن أوكرانيا، أن يستمر في التصرف بأمانة وعدم تقويض موقف أوكرانيا من خلال تقديم تنازلات لا يمكن الدفاع عنها".