بعد شهر على اندلاعها، تتسبب الحرب الروسية الأوكرانية بأزمة عالمية مزمنة تطال مختلف الأوجه السياسية والأمنية والاقتصادية حول العالم، وتخلف توترا يكاد يكون غير مسبوق بين واشنطن وموسكو لدرجة باتت تعيد للأذهان خطاب حقبة الحرب الباردة وأجوائها.
وفي آخر حلقات مسلسل الأزمات الدولية المتناسلة على وقع الحريق الأوكراني، ندد الكرملين، الأربعاء، بتصريحات للرئيس الأميركي جو بايدن، وصف فيها للمرة الأولى نظيره الروسي فلاديمير بوتن بأنه "مجرم حرب"، معتبرا تلك التصريحات "غير مقبولة ولا تغتفر".
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن بلاده تعتبر "الخطاب غير مقبول ولا يُغتفر، لرئيس دولة قتلت قنابله مئات آلاف الأشخاص في أنحاء العالم"، حسبما نقلت عنه وكالت "تاس".
وذكر جو بايدن، الأربعاء، خلال حديثه عن فلاديمير بوتن: "أعتقد أنه مجرم حرب"، وذلك على خلفية العملية العسكرية في أوكرانيا.
وأفادت الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي، بأن بايدن كان "يتحدث من قلبه" بعدما شاهد على التلفاز صورا "للأفعال الهمجية التي يقوم بها دكتاتور متوحش عبر غزوه بلدا آخر".
وحول خطورة هذه الحرب الكلامية بين البيت الأبيض والكرملين، يقول ماهر الحمداني، الكاتب والباحث المختص في الشؤون الغربية، في حوار مع سكاي نيوز عربية: "التلاسن الحاد الدائر حاليا بين سيدي البيت الأبيض والكرملين، يعكس مدى جدية خطر انزلاق الاستقرار والأمن الدوليين على وقع الحرب الأوكرانية نحو حافة الهاوية".
ويضيف الحمداني: "الحساسيات بين بوتن والحزب الديمقراطي الأميركي الحاكم الآن، الذي ينتمي له بايدن، ليست جديدة، حتى أن الرئيس الروسي كما يردد قد تعود على مثل هذه الهجمات والتصريحات، لكن المختلف هذه المرة ربما هو تصاعد حدة اللهجة الأميركية والغربية ضده، وإلا فإن بوتن لطالما كان عرضة لانتقادات الإعلام والساسة في الغرب وخاصة في أميركا".
فهذا النوع من الدعاية الحربية المتدنية عبر مهاجمة الطرف الآخر، كما يرى الباحث المختص في الشؤون الغربية، "يندرج في إطار حقن الشارعين الروسي والغربي وإثارتهما لتجييشهما ضد بعض، حتى أن الكثير من المواقف والممارسات التي جرت خلال هذه الأزمة وصلت لحد ممارسة العنصرية الصريحة ضد الروس كشعب وكوطن وكثقافة، وطالت فنانين ورياضيين وأدباء روس، لحد منع تدريس الأدب الروسي في بعض الجامعات الغربية".
أما الكاتب والصحفي، جميل آريز، فيقول في حوار مع سكاي نيوز عربية: "بلا شك مثل هذه المناكفات والملاسنات بين بايدن وبوتن ومن ورائهما البيت الأبيض والكرملين، تلقي بظلال قاتمة على الأزمة الأوكرانية المحتدة أصلا، والتي لا تسهم هكذا مواقف متشنجة في حلحلتها بل على العكس هي تصب الزيت على النار".
ويضيف: "صحيح أننا نتحدث عن دولتين عظميين بحجم الولايات المتحدة وروسيا وأن ثمة مؤسسات تتحكم بقراراتهما وتحديد سياساتهما، لكن مع ذلك فإن تطور التراشق الكلامي بين رئيسي البلدين على وقع الحرب الأوكرانية، قد ينجم عنه عداوة شخصية ترتد سلبا على أدائهما وتقييمهما موضوعيا وليس ذاتيا لهذه الأزمة العالمية الخطيرة، وقد يتحول الأمر تاليا إلى ما يشبه المكابرة والمعاندة وتصفية الحسابات الشخصية عبر تسعير الصراع في أوكرانيا".