أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، أن العملية العسكرية في أوكرانيا "تسير وفقا للخطة الموضوعة"، وعلى الأرض نجحت القوات الروسية في السيطرة على العديد من المدن، لكن في الساعات الأخيرة من الحرب، برز اسم مدينة خيرسون الأوكرانية الساحلية.
ووفقا للمعطيات على الأرض، فإن التطور الميداني الأبرز هو سقوط مدينة خيرسون، وفي ظل محاولة القوات الروسية حصار العاصمة كييف والمدينة الشرقية خاركيف، حيث تخوض معارك ضارية للسيطرة على جميع المدن الواقعة على بحر آزوف والبحر الأسود والظفر بموانئه الاستراتيجية، فما هي مدينة خيرسون؟ وما أهميتها الاستراتيجية؟.
وللإجابة عن هذين السؤالين، قال الأستاذ المساعد بالعلاقات الدولية في جامعة لوباتشيفسكي الروسية، الدكتور عمرو الديب، إن "السيطرة عليها تعد نجاحا كبيرا للعملية العسكرية الروسية من خلال الجبهة الجنوبية، حيث تهاجم روسيا أوكرانيا من خلال 3 جهات رئيسية؛ الشرقية والشمالية وأهمها الجنوبية، التي تعد آمنة الآن من الجانب الروسي، بعد سقوط مدينة خيرسون".
ماذا تعني؟
تقع خيرسون في جنوب أوكرانيا، وتعتبر ميناءً مهما على البحر الأسود وعلى نهر دينبر، ويعيش بها نحو 300 ألف نسمة، وهي عاصمة مقاطعة خيرسون المتاخمة لشبه جزيرة القرم، التي سيطرت عليها روسيا عام 2014.
تعتبر مدينة خيرسون أكبر مدينة تسقط حتى الآن بيد القوات الروسية، وتكمن أهميتها في كونها تقع على مصب نهر دنيبر، وتطل على بحر آزوف من الجنوب الشرقي، والبحر الأسود من الجنوب الغربي.
وبسيطرة روسيا عليها، يعني أنه أصبح بإمكانها الآن عبور نهر دنيبر الذي يقسم أوكرانيا إلى قسمين، والاتجاه غربا وشمالا لمهاجمة كييف من الاتجاه الثاني.
وتمتلك خيرسون أكبر ميناء في أوكرانيا لبناء السفن في البحر الأسود، وهي مركز رئيسي للشحن، وقد نمت المدينة بشكل مطرد خلال القرن التاسع عشر، بسبب الشحن وبناء السفن، وظلت مركزا رئيسيا لبناء السفن طوال القرن العشرين.
"تأمين المياه العذبة والسيطرة على الموانئ"
وأكد الديب خلال تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن السيطرة على المدينة كانت "أولوية استراتيجية لروسيا، حيث تم هدم السد على نهر دنيبر بعد أن كان يمنع المياه العذبة من الوصول لشبه جزيرة القرم، وبالتالي أصبح تأمين تدفق المياه والجبهة الشمالية للقرم في قبضة روسيا".
ومن شأن السيطرة الروسية على خيرسون وغيرها من المدن الساحلية بموانئها الاستراتيجية، أن تفصل أوكرانيا تماما عن البحر، وتعزلها عن أهم موانئها على البحر الأسود.
كما تمنح السيطرة على المنطقة المحيطة بخيرسون لروسيا، طريقًا للتقدم المستمر شمالا على طول نهر دنيبر، باتجاه مدن ذات أهمية استراتيجية مثل زابوريزهيا ودنيبرو، وكذلك إنرهودار، المدينة التي يبلغ عدد سكانها 50 ألف نسمة وتضم أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا.
صراع السيطرة على الموانئ
وتتحدث التقارير الميدانية عن انتشار مئات الجنود في مدينة خيرسون، وإقامة نقاط تفتيش على مداخلها، وبسط سيطرة كاملة. وتعليقا على هذا، قال الباحث في العلاقات الدولية بمركز "الوشم الأوسط" للدراسات، تامر أبو جامع، إن للمدينة "أهميةً خاصة" للرئيس الروسي.
وأوضح أن خيرسون تعد "أحد أهم مراكز إعادة إحياء مشروع ما يسمى بـ(نوفوروسيا)، أو ما يطلق عليه في مصطلحات السياسة (روسيا الجديدة)، وتلك الجملة كررها بوتين الفترة الأخيرة، وبالأخص خلال الأيام الماضية، ومع خطاب بدء الحرب".
وأضاف أبو جامع لموقع "سكاي نيوز عربية": "مشروع نوفوروسيا جزء تاريخي من الإمبراطورية الروسية القديمة في إقليم شمال البحر الأسود، والذي تشكل عام 1764، مع أجزاء من المناطق الجنوبية الساحلية، بهدف التحضير للحرب في ذلك التوقيت".
وأوضح أبو جامع أن الرئيس الروسي "تحدث بوتيرة متزايدة عن ذلك المفهوم في تلك المنطقة شرق وجنوب أوكرانيا، التي يراها القوميون في موسكو وكييف أيضا مناطق روسية منحها الاتحاد السوفيتي لأوكرانيا".
واستطرد: "بسقوط خيرسون تصبح موسكو قادرة على إقامة جسر بري من أراضيها مرورا بالمناطق الشرقية في إقليم دونباس وما حولها، إلى شبه جزيرة القرم، المنطقة التي ضمتها إليها عام 2014، بالإضافة إلى امتداد ذلك نحو مدينة أوديسا ومينائها الاستراتيجي، أي بمعنى الاستيلاء على مئات الكيلومترات من الأراضي على طول ساحل بحر آزوف والبحر الأسود".
وفي وقت سابق الجمعة، قال الرئيس الروسي إنه "على استعداد لإجراء محادثات مع أوكرانيا"، لكنه أصر على أن تلبي كييف مطالب موسكو، بينما أخفقت عدة جهود دبلوماسية حاولت أن تنزع فتيل الأزمة بين البلدين.
وعقد مفاوضون أوكرانيون وروس، الخميس الماضي، الجولة الثانية من المحادثات، وتوصلوا إلى اتفاق مبدئي بشأن توفير ممرات آمنة للسماح للمدنيين بمغادرة المدن الأوكرانية المحاصرة، وإيصال الإمدادات الإنسانية.