أعاد التوتر العسكري المتزايد بين موسكو والغرب، سيناريو "المواجهة النووية" إلى الواجهة، وسط مخاوف من حصول انزلاق، وربما إقدام دولة من الدول العظمى على "الخطوة المتهورة" التي تنذر بخسائر فادحة وطويلة الأمد.
وأثيرت الخشية بشكل أكبر، بعد اشتعال حريق في أكبر محطة للطاقة النووية بأوروبا، ليلة الجمعة، وهي في منطقة زاباروجيا الأوكرانية، من جراء المواجهة مع الجيش الروسي.
وشهد العالم، حوادث نووية محدودة بالفعل، لكن الخطر الذي نجم عن الكثير منها، ما زال ذا تبعات صحية وبيئية حتى يومنا هذا، بينما تتعالى الأصوات إلى تحصين العالم ضد "الخطر الكبير"، سواء بنزع فتيل النزاعات، أو بتعزيز إجراءات السلامة في منشآت نووية.
انفجار في قاعدة نيونوكسا
شهدت قاعدة نيونوكسا العسكرية، شمالي روسيا، حادثة نووية إشعاعية، الخميس 8 أغسطس من عام 2019، قرب مدينة سفرودفنسك.
ووقع الانفجار خلال تجربة اختبار محرك صاروخ يعمل بالوقود السائل، فأدت الحادث في البداية إلى مصرع اثنين من الاختصاصيين متأثرين بجروحهما وإصابة ستة آخرين، ثم ارتفع عدد القتلى في اليوم التالي إلى خمسة أشخاص.
وبعد الانفجار، أوضحت السلطات أن الانفجار الذي وقع في قاعدة نيونوكسا العسكرية لإطلاق الصواريخ يوم الخميس 8 أغسطس يحتوي على نشاط إشعاع نووي، قائلة إنه تسبب بمقتل خمسة أشخاص.
في غضون ذلك، ذكرت بلدية مدينة سفرودفنسك على موقعها الإلكتروني أن أجهزة الاستشعار لديها "سجلت ارتفاعا للنشاط الإشعاعي لمدة قصيرة".
وأشار مسؤولون في شركة "روس-أتوم" النووية الروسية المملوكة للدولة، إلى أن الحادث المميت الذي وقع قبل أيام في موقع عسكري بشمال البلاد قد وقع خلال اختبار صاروخ على منصة بحرية، قائلين إن النار اشتعلت في وقود الصاروخ فتسبب في انفجاره وأدت قوة الانفجار إلى إلقاء عدة أشخاص في البحر.
ينصب عمل قاعدة نيونوكسا في روسيا التي افتتحت في عام 1954، على اختبار صواريخ الأسطول البحري، وتتم فيها تجارب حول الصواريخ الباليستية.
وشهد عام 2019 حادثين عسكريين آخرين في روسيا، حيث شب حريق في حجرة بطارية الغواصة "لوشاريك" وأدى إلى مقتل 14 من أفراد الطاقم، ووقع انفجار كبير في مستودع ذخائر.
وكشف فالنتين ماغوميدوف، وهو مسؤول في الدفاع المدني، أن مستوى الإشعاع النووي ارتفع إلى 2.0 ميكروزيفرت في الساعة لمدة ثلاثين دقيقة، في حين أن الحد الأقصى المقبول للتعرض للنشاط الاشعاعي هو 0.6 ميكروزيفرت في الساعة.
ونشرت منظمة "غرينبيس روسيا"، رسالة من مسؤولين في مركز للأبحاث النووية أعطوا فيها الرقم ذاته، لكنهم أكدوا أن الإشعاع استمر أقل من ساعة واحدة، من دون أن تكون لهُ أية مخاطر على الصحة حسب قولهم.
ولقد هرع سكان مدينة سفرودفنسك في يوم الجمعة إلى الصيدليات لشراء اليود، الذي يحمي الغدة الدرقية في حالة وقوع حادث إشعاع نووي.
ماذا حدث في فوكوشيما؟
ونجم الحادث الذي وقع في محطة "فوكوشيما دايتشي" للطاقة النووية، على الساحل الشرقي لليابان، من جراء حدوث زلزال كبير شرق اليابان في 11 مارس 2011 بلغت قوته 9 درجات على مقياس ريختر.
تسبب الزلزال بحدوث موجات تسونامي ضربت الساحل الياباني والمحطة، الأمر الذي تسبب بزيادة الحرارة في المحطات الأولى والثانية والثالثة، ونتج عن ذلك انصهار قلب المفاعل وانطلاق غاز الهيدروجين داخل مبنى احتواء المفاعل، مما تسبب بحدوث انفجار داخل مبنى احتواء المفاعل في المحطات الأولى والثالثة والرابعة.
وكشف تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن حادث فوكوشيما دايتشي في عام 2015، تعرض المحطات للحراة الشديدة نتيجة لموجات تسونامي التي تسببت في حدوث فيضان في منطقة المحطات حيث توجد المولدات الاحتياطية، مما جعلها غير قادرة على استعادة الطاقة للحفاظ على تبريد المفاعلات.
وخلفت الحادثة وفاة ثلاثة موظفين مباشرة من شركة "تيبكو"، من جراء الزلزال والتسونامي، لكن لم تقع أي وفيات نتيجة الحادث النووي.
ويقدم الفيديو التصويري التالي فكرة عن كيفية حدوث حادثة فوكوشيما:
تشيرنوبيل
وفي هذه الكارثة، كان الاعتقاد ساريا في محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية، يوم 26 أبريل 1986، أن إيقاف النظام لمدة 20 ثانية لاختبار أثر انقطاع الكهرباء، سيكون مجرد اختبار آخر للمعدات الكهربائية.
لكن خطأ في التشغيل بعد إغلاق توربينات المياه المستخدمة في تبريد اليورانيوم المستخدم وتوليد الكهرباء أدى إلى ارتفاع حرارة اليورانيوم بالمفاعل الرابع إلى درجة الاشتعال.
وبعد سبع ثوان، أدى ارتفاع درجة الحرارة إلى إحداث موجة انفجار كيميائية، أطلقت بدورها ما يقرب من 520 نويدة من النويدات المشعة الخطرة إلى الغلاف الجوي.
وفي حين أن رئيس الفريق المناوب انتبه إلى الخطر وحاول إغلاق المفاعل مما يجعل أعمدة الغرافيت تنزل في قلب المفاعل وتبطئ من سرعة التفاعل النووي وتكون الحرارة، إلا أن هذه الطريقة جعلت الحرارة تزداد لوهلة قبل أن تشرع في الانخفاض.
وبما أن المولد كان غير مستقر والدورة الحرارية مشوشة من آثار الاختبار، كان هذا هو العامل الذي أدى إلى اعوجاج أعمدة الغرافيت وعدم إمكانية إسقاطها في قلب المفاعل وجعل الحرارة ترتفع بشكل كبير وتشعل بعض الغازات المتسربة وتتسبب في الكارثة.
وأسفرت قوة الانفجار عن انتشار التلوث على أجزاء كبيرة من الاتحاد السوفياتي، التي تتبع ما يعرف الآن بيلاروس وأوكرانيا وروسيا. ووفقا لتقارير رسيمة، لقى 31 شخصا حتفهم على الفور، وتعرض 600 ألف ’’مصف‘‘، من المشاركين في مكافحة الحرائق وعمليات التنظيف، لجرعات عالية من الإشعاع.
ووفقا لتقارير رسمية، تعرض ما يقرب من 8 ملايين و400 ألف شخص في بيلاروسيا وروسيا وأوكرانيا للإشعاع، وهو عدد يزيد عن اجمالي سكان النمسا.
وتعرضت 155 ألف كيلومتر مربع من الأراضي في التابعة للبلدان الثلاثة للتلوث، وهي مساحة تماثل نصف إجمالي مساحة إيطاليا.
وتعرضت مناطق زراعية تغطي ما يقرب من 52 ألف كيلومتر مربع، وهي مساحة أكبر من مساحة دولة الدنمارك، للتلوث بالعنصر المشعين سيزيوم - 137 (عمره النصفي هو 30 سنة) وعنصر سترونتيوم - 90 (عمره النصفي هو 28 سنة).
وأعيد توطين ما يقرب من 404 ألف شخص، إلا أن الملايين ظلوا يعيشون في بيئة تسبب فيها استمرار بقايا التعرض الإشعاعي إلى ظهور مجموعة من الآثار الضارة.
ولم يجر إصدار تقارير عن الحالة حتى اليوم الثالث من انفجار تشيرنوبيل، ثم قامت السلطات السويدية بوضع خارطة لمستويات الإشعاع المتزايدة في أوروبا مع اتجاه الرياح، وأعلنت للعالم أن حادثة نووية وقعت في مكان ما من الاتحاد السوفياتي.
وفي خضم هذه الأزمة، لم تكن ثمة هيئة مختصة قادرة على التعامل مع الحالة وتقديم أجوبة لأسئلة مثل: هل مغادرة المنزل آمنة؟ هل مياه الشرب مأمونة؟ هل تناول الوجبات المحلية آمنا؟
ويرى خبراء أن إعلان تدابير وقائية كان بوسعه أن يساعد السكان على تجنب التعرض لبعض النويدات المشعة، مثل اليود 131، التي يعرف أنها تسبب سرطان الغدة الدرقية.
حادثة محطة "ثري مايل آيلند"
سجل الحادث في المفاعل الثاني من محطة ثري مايل آيلاند، الواقعة بالقرب من ميدلتاون، في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، عندما انصهر جزئيا في 28 مارس 1979.
وكان هذا أخطر حادث في تاريخ محطات الطاقة النووية الأمريكية، ومع ذلك، لم يكن للكمية الصغيرة من الانبعاثات المشعة آثار صحية يمكن ملاحظتها على عمال المحطة أو المجتمع.
أسفر وجود مجموعة من أعطال في المعدات والمشكلات المتعلقة بالتصميم وأخطاء العمال إلى وقوع الحادث.
عقب الحادثة، تم إجراء بعض التغييرات في الصناعة النووية، بما في ذلك وضع خطط عديدة للاستجابة للطوارئ، وتدريب مشغلي المفاعلات، وهندسة العوامل البشرية، والحماية من الإشعاع، والعديد من المجالات الأخرى.
وقالت المفوضية الأمريكية للرقابة النووية، إن جميع التغييرات أسفرت عن تشغيل أكثر أمانًا للمحطات النووية حول العالم.
ونتيجة للحادثة، تم إنشاء معهد عمليات الطاقة النووية في أتلانتا، جورجيا، في عام 1979، وهي منظمة غير حكومية تهدف إلى تعزيز أعلى مستويات السلامة والموثوقية في عمليات المحطات النووية التي تعمل تجاريًا.
اختبار "بانبري" في الولايات المتحدة
في 18 ديسمبر 1970، أجرت الولايات المتحدة تجربة نووية تحت الأرض في موقع الاختبارات النووية في ولاية نيفادا، وعلى الرغم من دفن الجهاز على عمق 270 مترا تحت سطح الأرض فقد أدى انفجاره إلى تكون سحابة إشعاعية كبيرة بارتفاع 3 كيلومترات في الهواء.
وتسنت رؤية السحابة من مدينة لاس فيغاس على بعد 120 كم من موقع الانفجار، وحملتها الرياح للعديد من الولايات الأميركية الأخرى، وتعرض 86 عاملاً بالموقع للإشعاع.
وبحسب إحصائيات المعهد القومي الأميركي للأورام أدى الانفجار لانبعاث 80 ألف وحدة من العنصر المشع "اليود 131".
حادث المفاعل "لوسنس" في السويد
خلال بدء التشغيل في 21 يناير عام 1969، تعرض المفاعل لحادث بسبب فقدان سائل التبريد، مما أدى إلى انهيار الجزئية الأساسية وتلوث إشعاعي ضخم، كما تسبب في تكثيف الماء ليتشكل على هيئة بعض مكونات وقود سبائك المغنيسيوم أثناء إيقاف التشغيل ما أدى لتآكلهم.
لم يُصب أي من العمال أو السكان بالإشعاع، مع أن الكهف الذي كان يضم المفاعل داخله، كان ملوثا بشكل خطير. وقد تم تطهير الكهف وتفكيك المفاعل خلال السنوات القليلة التي تلَت الحادث. وقُيِّم الحادث بـ5 حسب المقياس الدولي للحوادث النووية.
حادث ويندسكال في بريطانيا
سجل في المملكة المتحدة في 10 أكتوبر 1957 ويعتبر أسوأ حادث نووي في تاريخ بريطانيا، حيث وقع الحريق في الوحدة الأولى من منشأة وويندسكال المزدوجة على الساحل الشمالي الغربي لإنجلترا في كمبرلاند، وذلك بسبب ارتفاع درجة حرارة المفاعل النووي التي أدت إلى انفجاره.
واستمر الحريق لمدة ثلاثة أيام، وكان هناك إطلاق للتلوث الإشعاعي الذي انتشر في جميع أنحاء المملكة المتحدة وأوروبا.
وكان من ضمن المواد المشعة المنبعثة (النظائر المشعة لليود 131)، التي قد تؤدي إلى سرطان الغدة الدرقية، وتسبب هذا الحادث في إصابة 240 حالة بالسرطان.
ولكن لم يتم إجلاء أحد من المنطقة المحيطة، وفي عام 2010 لم تجد دراسة أجريت على العمال الذين يشاركون في عملية التنظيف أية آثار صحية كبيرة على المدى الطويل من مشاركتهم.