تعيش الحدود الأوكرانية الروسية أجواء حرب غير مكتملة، وسط مساع غربية للحيلولة دون وقوعها، بالتوازي مع ضغوط وتهديدات لموسكو بعواقب وخيمة حال أقدمت على أي خطوة عسكرية، فيما تسود مخاوف من سيناريو "العلم الزائف".
وقالت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بربوك، إنها ترجح عملية روسية داخل أوكرانيا، تشبه الانقلاب "سيناريو العلم الزائف، من قبل روسيا، في أوكرانيا، وهو السيناريو الأكثر ترجيحا من غزو كامل".
وأوضحت بربوك: "سيناريو الغزو الكامل قد يكون ممكنا، لكنني كذلك لست متأكدة من أن هذا هو السيناريو الأكثر ترجيحا حقا، سأكون خائفة أكثر من أن السيناريو الأكثر احتمالا وهو عملية العلم الزائف أو انقلاب أو أشياء أخرى مثل هجوم إلكتروني على أوكرانيا".
و"عملية العلم الزائف" هو مصطلح سياسي يعني القيام بفعل بقصد إخفاء المصدر الفعلي للمسؤولية وإلقاء اللوم على طرف آخر، وتم استخدام المصطلح أول مرة في القرن الـ 16 عندما كانت تخدع القراصنة السفن التجارية برفع راية دولة صديقة لخداعها ومن ثم مباغتتها.
روسيا نفذته في 2014
وقبل بداية الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم، بدأ يظهر بالشوارع ما أطلق عليه "الرجال الخضر الصغار" وهم جنود ملثمون تابعون لروسيا كانوا يرتدون الزي العسكري الأخضر ويحملون أسلحة ومعدات عسكرية روسية حديثة.
ونفت موسكو في البداية أن تكون هذه القوات روسية، مؤكدة أن الرجال الذين يرتدون ملابس خضراء ليسوا جزءًا من القوات المسلحة الروسية، بل ميليشيات محلية استولت على أسلحة من الجيش الأوكراني.
لكن في 17 أبريل 2014، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتن أخيرا وجود القوات الروسية. بالإضافة إلى ذلك، أكدت العديد من المصادر، بما في ذلك وسائل الإعلام الرسمية الروسية، أن "الرجال الخضر الصغار" هم مزيج من عملاء من قوات العمليات الخاصة ومختلف وحدات القوات الخاصة التابعة للمديرية العامة للأركان العامة للقوات المسلحة الروسية.
حراك دولي
وتشهد أزمة أوكرانيا حراكا دوليا موسعا من أجل نزع فتيل الحرب المحتملة، حيث أعلنت الرئاسة الفرنسية، الأحد، أن الرئيس إيمانويل ماكرون سيجري محادثات "خلال الساعات المقبلة" مع المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الأميركي جو بايدن بشأن الأزمة الأوكرانية.
وقال قصر الإليزيه إن الرئيس الفرنسي قد يجري محادثات أيضًا مع رئيسي الوزراء البريطاني بوريس جونسون والإيطالي ماريو دراغي وكذلك مع "شركاء مقربين آخرين".
يأتي ذلك بعدما أعلن قصر الإليزيه أن الرئيسين الفرنسي والروسي اتّفقا على "تكثيف الجهود الدبلوماسية" في الملف الأوكراني، كما كشفت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أنها ستعقد اجتماعا طارئا لممثليها الدائمين الإثنين في محاولة لإيجاد حل للأزمة في شأن أوكرانيا.
وفي موسكو، أعلنت الخارجية الروسية الأحد أن وزيرَي الخارجية الروسي سيرجي لافروف والفرنسي جان إيف لودريان سيجريان مكالمة هاتفية بشأن تصاعد التوترات حول أوكرانيا الإثنين أيضا.
خسائر روسيا أكبر من مكاسبها
الخبير في الشؤون الدولية والاستراتيجية، أنس القصاص، قال إن روسيا لن تقدم على حرب في أوكرانيا، مؤكدا أن أكبر تهديد يمكن أن يواجه بوتن ليس الباتريوت الأميركي على الحدود إنما هو إخراج روسيا من منظومة "سويفت" (نظام التحويلات المالية والمعاملات بين البنوك) كون ذلك يعني فوضى اقتصادية قد تطيح بالرئيس الروسي نفسه.
وأضاف القصاص، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن هناك رزمة عقوبات أوروبية أميركية حال غزت روسيا ستكون عواقبها وخيمة، لافتا إلى أن روسيا قوة غير متناسقة فهي قوية عسكريا وضعيفة اقتصاديا مقارنة بالقوى العظمى، كما أن المعركة قرب أراضيها وخسائرها ستكون أعلى بكثير وهو ما يدحض إمكانية وجود حرب، فما يحدث ليس إلا ضغوط لتحقيق بعض المكاسب.
وعن اشتعال الأزمة شرقي أوكرانيا، قال إن الأمر ليس بجديد وهناك خروقات مستمرة غير أن الأزمة تصاعدت مؤخرا وهو ما يعني فشل واسع لمينسك وقد يتجه المجتمع الدولي إلى إطار جديد في ظل رفض أوكراني رسمي وشعبي لنتائج مينسك 2 وبوتين سيقبل بها كونه يعلم أن الأمور لا تحسم بالاتفاقيات.
قتيلان وانفجارات
وأعلن مراقبو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، الأحد، أنهم سجلوا خلال 24 ساعة أكثر من 1500 خرق لوقف إطلاق النار شرق أوكرانيا، هو الأعلى هذا العام.
وقال المراقبون إنهم سجلوا بين مساء الخميس ومساء الجمعة 591 خرقا في دونيتسك و975 في لوغانسك المجاورة، وهما منطقتان خاضعتان جزئيا لسيطرة انفصاليين مدعومين من موسكو.
وأظهرت خريطة تفصّل الخروق أن القتال الأعنف يدور حالياً في منطقة تقع في شمال غرب لوغانسك، على بُعد حوالي 20 كلم جنوب شرق مدينة سفرودونتسك التي تسيطر عليها الحكومة.
وأعلنت قوة العمليات المشتركة التابعة للجيش الأوكراني، السبت، أن جنديين قتلا فيما أصيب أربعة آخرون، في قصف استهدفهم شرقي البلاد، بينما يتأجج الوضع يوما بعد الآخر على الحدود مع روسيا المجاورة.
من جهة أخرى، سقط عدد من قذائف الهاون داخل الأراضي الأوكرانية، السبت، على بعد مئات الأمتار من مكان تواجد وزير الداخلية الأوكراني دينيس موناستيرسكي، حيث التقى صحفيين خلال جولة قام بها لجبهة القتال ضد المتمردين المدعومين من روسيا، ما أُجبر الوزير على الاختباء لدى انفجار القذائف.
بدوره، قال المتحدث باسم الشرطة الشعبية في لوغانسك، إيفان فيليبونينكو، إن "العسكريين الأوكرانيين يستخدمون بنشاط أسلحة محظورة بموجب اتفاقات مينسك"، مشيراً إلى أن "الوضع على خطوط التماس في لوغانسك ما زال محتدماً".