تشهد منطقة شرق أوكرانيا تصعيدا واسعا بين الانفصاليين الموالين لروسيا والقوات الأوكرانية، وسط مخاوف من غزو محتمل يتزامن مع ذكرى بدء العمليات العسكرية الروسية في 2014، ومن ثم الاستيلاء على شبه جزيرة القرم.
وتسود مخاوف دولية من أن تتخذ موسكو التوترات بين كييف وانفصاليين موالين لها ذريعة للإقدام على "السيناريو الأسوأ" وغزو أوكرانيا، حيث تحشد أكثر من عشرات الآلاف من الجنود بالقرب من الحدود، في وضع متفجر تسبّب بأسوأ أزمة بين الغرب وموسكو منذ انتهاء الحرب الباردة.
وبدأ العدوان الروسي على أوكرانيا في 20 فبراير 2014، بعملية عسكرية للاستيلاء على شبه جزيرة القرم، وفي وقت لاحق، احتلت قوات روسية ومسلحون موالون لها أجزاء من منطقتي "دونيتسك ولوهانسك" الأوكرانيتين.
رد فعل أميركي أوروبي قوي
الخبير في الشؤون الدولية والاستراتيجية، أنس القصاص، قال: إن التحالف والتعاون بين أوروبا وأميركا هذه المرة رغم الموقف الألماني المحايد فاجأ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، وليس الحال كما هو كمان عليه في 2014 حيث لم يجد اعتراضا قويا آنذاك سوى من واشنطن.
وأضاف القصاص، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الحشود الروسية على الحدود الأوكرانية ليست حشود حرب؛ لأنها ينقصها الكثير من الخدمات المعاونة من وقود وخدمات طبية وغيره، بوتن يستفز الغرب؛ للخروج بأكبر المكاسب من ضمانات أمنية للحفاظ على مناطق نفوذه.
وأشار إلى أن الانسحاب الروسي حقيقي وليس وهميا، ولكن ما يحدث في إقليم دونباس شرقي أوكرانيا هو بفعل بوتن الذي يتبع استراتيجية قديمة وهي أن تكون له الضربة والكلمة الأخيرة، وأن تنتهي العملية بيده لا من قبل الضغوط الأوروبية الأميركية، وهي مناوشات لن تصل إلى حرب، وهي معتادة في هذه المنطقة غير أنها شهدت تصعيدا خلال الساعات الماضية؛ لحفظ ماء وجه الرئيس الروسي.
تحركات غربية
وتسرّع أوروبا وأميركا تحركاتها استعدادا لما اعتبروه "غزوا قد يحدث بأي وقت" عبر زيادة الدعم العسكري لأوكرانيا وكذلك دول شرق أوروبا، وأيضا مزيد من الضغوط على روسيا وحليفتها بيلاروسيا من أجل منع أي توتر عسكري قد تنعكس آثاره على العالم أجمع.
وطالبت فرنسا وألمانيا، في بيان مشترك، روسيا بالضغط على الانفصاليين الأوكرانيين لخفض التصعيد، كما عقد الرئيس الأميركي، جو بايدن، الجمعة، اجتماعا مع عدد من قادة دول أوروبا وحلف الناتو وكندا؛ لبحث تطورات الأزمة في أوكرانيا، مؤكدا أن "مخاطر قيام روسيا بغزو عسكري لأوكرانيا عالية للغاية وهناك مؤشرات على ذلك".
كما أجرى وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، زيارة مفاجئة إلى بولندا تحدث فيها عن غزو محتمل بل وتوقع أن تشهد بولندا موجة نزوح من أوكرانيا، مؤكدا دعم الولايات المتحدة لحلفائها في شرق أوروبا وتوفير المعدات لأوكرانيا لتمكينها من الدفاع عن نفسها.
أوكرانيا تتصدر مباحثات ميونيخ
وتصدرت الأزمة بأوكرانيا كلمات جميع المتحدثين في أكبر حدث أمني دولي بميونخ الذي انطلقت فعالياته الجمعة بمشاركة 25 رئيسا ورئيس حكومة وأكثر من 100 وزير، فيما كان على رأس الحضور كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأميركي جو بايدن، والمستشار الألماني أولاف شولتز، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين، والأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وقال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إنه "تم رصد قوات روسية إضافية تتحرك باتجاه حدود أوكرانيا، على عكس ادعاءات روسيا بالانسحاب.. ما يحدث في شرق أوكرانيا يتبع سيناريو معروفا: إنهم يخلقون استفزازات كاذبة، لم يحدث الانسحاب المعلن للقوات، بل على العكس من ذلك ربما تحاول روسيا إضفاء الشرعية على هجوم".
بدوره، حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من تداعيات "كارثية"، في حال تفجر الأزمة "الروسية - الأوكرانية" واندلاع حرب.
وأضاف المسؤول الأممي: "مع انتشار كثيف لجنود روس في محيط أوكرانيا، أشعر بقلق بالغ بشأن تصاعد التوترات وازدياد التكهنات بشأن نزاع عسكري في أوروبا" مضيفا أنه إذا حصل ذلك "سيكون الأمر كارثيا".
سيناريو العلم الزائف
من جانبها، قالت الخارجية الألمانية إنها ترجح عملية روسية داخل أوكرانيا، تشبه الانقلاب "سيناريو العلم الزائف، من قبل روسيا، في أوكرانيا، وهو السيناريو الأكثر ترجيحا من غزو كامل".
و"عملية العلم الزائف" هو مصطلح سياسي يعني القيام بفعل بقصد إخفاء المصدر الفعلي للمسؤولية وإلقاء اللوم على طرف آخر.
وأوضحت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بربوك: "سيناريو الغزو الكامل قد يكون ممكنا، لكنني كذلك لست متأكدة من أن هذا هو السيناريو الأكثر ترجيحا حقا، سأكون خائفة أكثر من أن السيناريو الأكثر احتمالا وهو عملية العلم الزائف أو انقلاب أو أشياء أخرى مثل هجوم إلكتروني على أوكرانيا".