مع ارتفاع لهجة التصريحات الأميركية على خلفية تأزم الأوضاع الأوكرانية تبدو مؤشرات الصدام ونشوب حرب بين واشنطن وموسكو تلوح في الأفق، فيما يستبعد مراقبون حدوث ذلك الأمر وأن "الخطوط الحمراء" الأميركية لن يتجاوزها الرئيس الروسي فلاديمير بوتن.
غير أن تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن رفعت مؤشرات توسع الصراع المحتمل إلى حدوده القصوى مع موسكو، وقال في مقابلة مع شبكة "إن بي سي": "على المواطنين الأميركيين المغادرة الآن".
وأضاف: "نتعامل مع أحد أكبر الجيوش في العالم. إنه وضع مختلف للغاية، والأمور يمكن أن تصبح جنونية بسرعة".
كما حذر الرئيس الأميركي من أن القوات الأميركية لن تتمكن من إجلاء رعاياها الفارين من الأراضي الأوكرانية في حال بدأت روسيا بالاجتياح.
وأكد بايدن على أن الأمر سيكون بمثابة "حرب عالمية عندما يبدأ الأميركيون والروس بإطلاق النار على بعضهم. نحن في عالم يختلف كثيرا" عما كان عليه سابقا.
وفي حديثه لـ"سكاي نيوز عربية"، يوضح الأكاديمي الأميركي بجامعة فلوريدا، إرك لوب، أنه على الرغم من تصريحات بايدن، إلا أن الولايات المتحدة ستتجنب الحرب مع روسيا نظراً للنتائج المتوقعة والتي لن تكون بحال في صالح المجتمع الأميركي وسياساته، وتحديدا مع خبرات الحرب السابقة التي أرهقت قطاعات مختلف داخل الولايات المتحدة، كما هو الحال مع تبعات الصراع في العراق وأفغانستان.
وبحسب الأكاديمي الأميركي، فقد تكون الولايات المتحدة متحفظة أو مترددة في مواجهة قوى صاعدة مثل روسيا بشكل مباشر، كما رأينا في تعاطيها السياسي والميداني مع الوضع بسوريا، مرجحا أن تستمر الولايات المتحدة في تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا، ومحاولة إظهار جبهة موحدة مع حلفائها الأوروبيين ضد موسكو في الناتو وكذا في المؤسسات الدولية الأخرى.
يتفق مع الرأي ذاته، الخبير في مركز الشرق الأدنى للدراسات، ديفيد دي روش، والذي يؤكد أن بايدن لا يريد صراعا عسكريا مع روسيا، مع الوضع في الاعتبار أن مطالب روسيا يبدو من المستحيل تنفيذها.
ويشير دي روش في حديثه لـ"سكاي نيوز عربية" إلى أن بوتن ينظر إلى الناتو على أنها منظمة تسيطر عليها واشنطن، ويعتقد أنه إذا أقنع بايدن بأنه لا ينبغي على الناتو إرسال قوات إلى ليتوانيا، على سبيل المثال، فإن الناتو سينسحب منها.
ويردف: "ما قاله بايدن هو أنه إذا عمدت روسيا إلى غزو أوكرانيا، فستكون معزولة تماما عن النظام المالي الغربي، فالعقوبات الاقتصادية سلاح استراتيجي مؤثر وفعال".
وفيما يتصل بالأسلحة المتوقع استخدامها في حال نشوب حرب بين موسكو وواشنطن، يقول دي روش إن "الأسلحة التقليدية لن تكون محور الحرب وحدها إنما سيجري توجيه الصواريخ والضربات العسكرية بالتزامن مع الحرب الإلكترونية، والتي سيتم تخصيصها من مواقع رادار الدفاع الجوي وشبكات الاتصالات اللاسلكية.
ويتابع: "الحرب الإلكترونية الروسية كذلك هي ميزة روسيا الرئيسية (بصرف النظر عن الكتلة العسكرية الهائلة)".
وفي حديثه لـ"سكاي نيوز عربية" يشرح المراقب الدولي السابق لدى الأمم المتحدة كمال الزغول أن تصريحات بايدن جاءت بعد تحقيق للجيش الأميركي، الثلاثاء الماضي، حول الانسحاب من أفغانستان العام الماضي والذي أثارته صحيفة "واشنطن بوست" بعد استقصاء صحفي تضمن 2000 صفحة من المقابلات، لافتا إلى أنه وجد في التقرير أن البيت الأبيض ووزارة الخارجية تأخرتا في الرد على تقدم طالبان السريع للسيطرة على كابل، مما شكل ضغطا على بايدن ليقول مثل هذا التصريح حول أوكرانيا تجنبا للخطأ السابق في افغانستان.
ووفق الزغول، فالسبب الآخر وراء هذا التصريح الملفت أن الإدارة الأميركية لم تجد أي رد ليّن من روسيا خاصة بعد لقاء ماكرون مع بوتن ولقاء وزيرة خارجية بريطانيا مع لافروف وزير خارجية روسيا، بالإضافة الى استخدام 6 سفن برمائية بالقرب من الشواطئ الأوكرانية.
ويردف: "هناك حزم من إدارة بايدن مستمد من التاريخ ولا يمكن ارتكاب خطأ عام 2014 عندما احتلت روسيا شبه جزيرة القرم لأن واشنطن تعرف مدى فداحة خسارة روسيا في حالة الحرب".
تصريح بايدن جاء لتجنب ما أسماه "حرب عالمية"، حسبما يوضح المراقب الدولي السابق لدى الأمم المتحدة، وهذا يعطي مؤشر أن أميركا لن تنخرط بجيشها داخل أوكرانيا، لكنها ستبقى تقدم الدعم اللوجستي للجيش الأوكراني ودول أخرى هذا من جانب.
من جانب، آخر بدا واضحا من خلال التصريحات أن الروس جاهزون للغزو، وإذا وقعت الحرب فستكون داخل أوكرانيا وشواطئها ودعم للمتمردين في إقليم دونباس وخسائر المدنيين ستكون فادحه. وفق للزغول.
ويخلص الزغلول إلى أنه مازالت هناك أجواء للحلول الدبلوماسية حول أوكرانيا ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بالحرب طالما موسكو تنتظر الحج إليها دبلوماسيا، والخسارة المتوقعة للطرفين أوكرانيا وروسيا ستكون فادحة جدا، وتصريح بايدن هو احترازي بحت وفيه حسم لعدم التنازل عن المصالح مقابل عدم اللين الروسي في القضية.
وإلى ذلك، يقول المحلل السياسي الأميركي مايكل مورغان إن تحذير الرئيس الأميركي بشأن الحرب تلك المرة هو تحذير شديد اللهجة تجاه روسيا وبوتن، وخاصه بعد إصرار روسيا في حشد الجنود والأسلحة على حدود أوكرانيا.
ومنذ فتره تعالت نبرة الرئيس الأميركي في تحذير بوتن من غزو أوكرانيا، الأمر الذي بات واقع من المتوقع حدوثه في الفترة القليلة القادمة وقد استدعى التهديد بعقوبات اقتصاديه شديده على روسيا.
ويرى مورغان في حديثه لـ"سكاي نيوز عربية" أن تعبير الحرب العالمية الشاملة الذي صرح به بايدن لا يعني حربا بالمفهوم المعروف ولكنه "من وجهه نظري يقصد أنها ستكون بمثابة حرب كبيره قد تتطور إلى شيء ما، مما جعل المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي تخرج علي العديد من الشاشات التليفزيونية لتوضيح وتعديل هذا التصريح".