اعتبر خبراء في الشأن الروسي والدولي أن الإعلان المشترك الذي وقعه الرئيسان فلاديمير بوتن ونظيره الصيني شي جينبينغ، يشكل إيذانا ببدء حقبة جيوسياسية جديدة، مؤكدين أن الرئيس الروسي هو المستفيد بدعم اقتصاد بلاده بمئات المليارات من الدولارات.
ووقع الرئيسان، وثيقة مشتركة من 31 بندا تحت اسم "الإعلان المشترك بخصوص دخول العلاقات الدولية عهدا جديدا والتنمية المستدامة".
3 رسائل أمنية للغرب
والوثيقة التي نددت بـ"التأثير السلبي" لنفوذ واشنطن على الاستقرار والسلام العادل بالعالم، ركزت على الملفات الأمنية الأكثر إلحاحا لروسيا على الصعيد الدولي والإقليمي، وبعثت عدة رسائل للغرب.
وبحسب مراقبين، فأبرزت 3 رسائل من بوتن للغرب حول الملفات والضمانات الأمنية لموسكو على وقع التوتر بالأزمة الأوكرانية.
والرسالة الأولى، فكانت هجوم على واشنطن، حيث طالبتها بإزالة مخزوناتها من الأسلحة الكيماوية، ووقف "التدخلات السلبية" الأميركية في منطقة المحيطين الهادئ والهندي.
كما أعربت عن القلق الروسي من الخطط الأميركية حيال تطوير نظام الدفاع الصاروخي العالمي ونشر صواريخ متوسطة وقصيرة المدى بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا.
أما الرسالة الثانية فكانت انتقاد لتحالف "أوكوس" العسكري بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، إذ أكدت أنه "يزيد من خطر سباق التسلح في المنطقة ويخلق مخاطر انتشار الأسلحة النووية".
وفي الثالثة، موسكو تعارض تمدد حلف الناتو ونهجه المؤدلج الذي يعود إلى الحرب الباردة، ودعته إلى "التخلي عن عقلية الحرب الباردة" وتقليص الاعتماد على ترسانته النووية في سياساته الأمنية وسحب كافة أسلحته النووية المنتشرة خارج حدوده.
واعتبر الكاتب البريطاني رولان أوليفانت، أن الإعلان المشترك، يشكل إيذانا ببدء حقبة جيوسياسية جديدة.
ويضيف بصحيفة "التلغراف" البريطانية، فلاديمير بوتن هو "المستفيد بشكل أساسي من هذا الإعلان"، لأن دعم عملاق اقتصادي وسياسي مثل بكين يجلب فوائد كبيرة لموسكو".
وهنا يقول الخبير بالشأن الروسي نبيل رشوان، إن بوتن استغل دورة الألعاب الأولمبية الشتوية بشكل جيد، عندما اجتمع بنظيره الصيني، وأكد أن العلاقات بين البلدين مثالية".
واضاف في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "بوتن حصل على دعم الرئيس الصيني بإعلان الأخير رفض توسع حلف الناتو، رغم أن شي جينبينغ لم يذكر أسماء دول بعينها وهذا تصرف دبلوماسي منه".
وأدرف رشوان: "رفض الرئيسان التدخلات الخارجية ومحاولات فرض أنظمة سياسية بعينها على الدول من خلال الثورات الملونة، والأهم ما أسفرت عنه الزيارة من تعاقد الصين على شراء 20 مليار متر مكعب من الغاز، وإمدادها بالنفط الروسي".
سلاح الغاز بأزمة أوكرانيا
وفي وقت يتصاعد فيه الخلاف بين بوتن والمستوردين الأوروبيين بشأن أوكرانيا، أعلن الرئيس الروسي توقيع اتفاقين جديدين بقطاع النفط والغاز مع الصين بقيمة 117.5 مليار دولار.
وتعمل روسيا، ثالث أكبر مورد للغاز لبكين، على تعزيز العلاقات مع الصين، أكبر مستهلك للطاقة في العالم، ما يقلل من اعتماد موسكو على عملائها التقليديين في أوروبا.
وقال بوتن في اجتماعه مع شي جينبينغ: "أعد رجال الطاقة لدينا حلولاً جديدة جيدة جداً بشأن إمدادات الهيدروكربون إلى الصين"، مضيفا: "لقد تقدمنا خطوة للأمام في صناعة الغاز".
وبحسب شركة الغاز الروسية العملاقة "غازبروم" فإن قيمة الصفقة الموقعة بين البلدين تبلغ 80 مليار دولار، فضلا عن صفقة أخرى بتوريد 100 مليون طن من النفط عبر كازاخستان على مدى 10 سنوات.
ومنذ 2005 وردت "روس نفط" الروسية إلى الصين ما مجموعه 445 مليون طن من النفط.
وعن إمكانية استخدام روسيا سلاح الغاز بأزمة أوكرانيا، قال الأستاذ المساعد بجامعة لوباتشيفسكي الحكومية الروسية، عمرو الديب: "لا يمكن لروسيا استخدام الغاز كسلاح ضد الاتحاد الأوروبي، لأنها مرتبطة مع بعض دوله بعقود طويلة الأمد".
وأضاف في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية": "لكن هناك نسبة يمكن أن تتلاعب بها روسيا مع السوق الأوروبية، وهي السوق الفورية التي تبيع فيها روسيا الغاز، لكنها ليست كبيرة، كما يمكن للغاز الأميركي المسال والغاز القادم من أذربيجان تخفيف أزمة الغاز الروسي على أوروبا".
لكن ذلك يدفع الدول الأوروبية للتفكير في التخلص من تبعيتها الطاقية لروسيا في المستقبل القريب، لذا فالأمر لا يصب في مصلحة الروس بعد إنشاء مشروعين كبيرين لنقل الغاز "السيل التركي" و"نورد ستريم 2" للمدى الطويل"، وفقا للديب.
وأردف: "كما أن استخدام موسكو لورقة الغاز قد يفقدها الدعم الفرنسي الإيطالي الألماني لمشاريع الغاز الروسية لنقله لأوروبا".
3 أزمات تنهض
وعلى وقع الإعلان المشترك نهضت 3 أزمات ممتدة، لطالما ظهرت في حال نشوب مناكفات بين موسكو وواشنطن وبكين.
فسارعت تايوان برفض البيان الصيني- الروسي، والاحتجاج على مبدأ "الصين الواحدة"، وهو أمر أعلنه البيان بأن موسكو تدعم مبدأ "الصين الواحدة، وتايوان جزء لا يتجزأ من الصين".
وعلى ذلك ردت وزارة خارجية تايوان بقول:"نعبر عن احتجاجنا الحازم على البيان، وندين بشدة الصياغة الكاذبة التي تنتهك سيادة جمهورية تايوان".
والبيان أشار إلى أن "تايوان والصين لا تخضعان لبعضهما البعض.. ولا يحق للحكومة الصينية تمثيل تايوان على الساحة الدولية".
أما واشنطن فحاولت انتزاع إدانة من مجلس الأمن ضد كوريا الشمالية بشأن آخر تجاربها الصاروخية، لكن الصين نددت بالخطوة، معتبرة أن ذلك "انتهاكا لقرارات المجلس والعقوبات المفروضة على بيونغيانغ".
كما اتهمت كولومبيا، روسيا بممارسة "تدخل أجنبي" على حدودها مع فنزويلا، في تصريحات نفتها السفارة الروسية لدى بوغوتا.