يقترب الوجود الفرنسي العسكري في مالي مِن كتابة الصفحة الأخيرة مِن روايته التي امتدّت 9 سنوات، مع وصول توتر العلاقات بين باريس وباماكو حول الانتخابات ومكافحة الإرهاب والعلاقات مع روسيا إلى درجة حادّة.

وخرجت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي، لتؤكّد، السبت، أن بلادها لا يمكنها البقاء في مالي بأي ثمن، بينما قال وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، إنّ الوضع في مالي أصبح "لا يُطاق".

وأوضح لودريان، في تصريحات، الجمعة، أن المواجهة القائمة في مالي مع المجلس العسكري أصبحت "خارج السّيطرة" ولا يُمكن أن تستمر، مُضيفًا أن باريس تبحث مع الشركاء كيفيّة تعديل عمليّاتها للتصدي للإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي.

وردّ وزير الخارجية المالي، عبد الله ديوب، بأنّ "مالي أيضًا لا تستبعد شيئًا بالنسبة إلى هذه المسائل إن لم تكُن تأخذ بمصالحنا"، في حديثٍ إلى إذاعة "إر إف إي" وشبكة "فرانس 24" التلفزيونية.

وعن خروج القوات الفرنسية نهائيًّا، قال ديوب: "هذا غير مطروحٍ في الوقت الحالي"، لكن إذا ما رأت بلاده وجودها "مخالفًا لمصالح مالي، فلن نتردّد في تحمّل مسؤولياتنا، لكننا لم نصل إلى هذا الحد".

وتعدّ هذه التصريحات المُتبادلة قمّة التوتّر الذي بدأ بعد انقلاب مايو 2020 ثمّ إعلان فرنسا تخفيف وجودها العسكري، حيث تقوم منذ يونيو الماضي بعمليّة إعادة انتشار، وغادرت 3 قواعد في شمال مالي بهدف تركيز وجودها في المناطق القريبة مِن حدود النيجر وبوركينا فاسو، وتهدف إلى خفض قوّاتها من 5 آلاف عسكري إلى 2500-3000 بحلول 2023.

ودفع هذا رئيس وزراء مالي، شوغل كوكالا مايغا، ليتّهم أمام الجمعيّة العامة للأمم المتحدة، سبتمبر، فرنسا بالتخلّي عن بلاده في منتصف الطّريق، مُبرّرًا بذلك بحث بلاده عن "شركاء آخرين" لمكافحة الإرهاب.

وظهر في أفق هؤلاء الشّركاء روسيا، خاصّةً شركة "فاغنر" التي تتهمها دول أوروبية بأنّها تُقدِّم مرتزقةً إلى مالي لتولّي مهام أمنيّة ومكافحة الإرهاب.

أخبار ذات صلة

انقلاب بوركينافاسو...ضربة موجعة لفرنسا ومجموعة "إيكواس"
أحدثها بوركينا فاسو.. 4 انقلابات بإفريقيا في 10 شهور

دعم مُلح

يقول المُحلل السياسي المالي، عبد الله ميغا، لموقع "سكاي نيوز عربية"، إنّ حكومة باماكو بحاجةٍ مُلحّةٍ إلى دعم دولي لمواجهة الإرهاب، لا سيما بعد إعلان فرنسا تخفيف وجودها.

وحسب ميغا فإخلاء فرنسا القواعد العسكريّة شمال شرقي مالي لا يُعدّ انسحابًا، لكنّه إعادة انتشار في وسط وجنوب البلاد قرب منطقة المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، لا سيّما بعدما نقلت الجماعات الإرهابية مسرح عمليّاتها إلى هناك.

وبدأت فرنسا تدخّلها العسكري في مالي ضد الإرهابيين الذين اجتاحوا شمال البلاد عام 2012 بعد اعتماد قرار الأمم المتحدة رقم 2085 بشأن مالي.

مظاهرات ضد باريس

وقبل أسبوع، خرج عشرات الآلاف مِن الماليين في مسيرات تجوب باماكو، تنديدًا بالوجود الفرنسي، مُطالبين بتعويضه بالجيش الروسي أو بمجموعة "فاغنر".

وكشفت مصادر لـ"سكاي نيوز عربية" أن "مواطنين شاهدوا الجنود الرّوس يتجوَّلون داخل مركبات عسكريّة في تمبكتو شمالي البلاد التي انسحبت منها القوّات الفرنسيّة".

وتحدّث رئيس القيادة العسكريّة الأمريكيّة في إفريقيا "أفريكوم"، ستيفن تاونسند، عن وجود المئات مِن "فاغنر" في مالي.

مِن جانبه، يقول أستاذ العلوم السياسيّة بجامعة بماكو في مالي، مادي كانتي، لـ"سكاي نيوز عربية"، إنّ اتجاه السلطات للاستعانة بـ"فاغنر" يرجع لقرار فرنسا تخفيض قوّاتها ووصول المجلس العسكري إلى طريقٍ مسدودٍ مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" بشأن تحديد موعدٍ لنهاية الفترة الانتقالية.