شهدت بوركينافاسو انقلابا عسكريا جديدا ينضاف إلى تاريخها الحافل بالانقلابات، بعدما أعلن الجيش، ليلة الاثنين، على التلفزيون الرسمي، أنه استولى على السلطة وأطاح بالرئيس روك كابوري وعلَّق العمل بالدستور، وحل الحكومة والبرلمان وأغلق الحدود.
وهذا الانقلاب هو الثالث في منطقة غرب إفريقيا في مدة لا تتجاوز 18 شهرًا، الأمر الذي يشكل زلزالا لمنطقة الساحل، وضربة جديدة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وفرنسا.
ففي مالي، وقع الانقلاب العسكري الأول في 18 أغسطس 2020 ، وأسفر عن الإطاحة بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا الذي بقي في الحكم لسبعة سنوات.
ثم في 24 مايو 2021 ، قام الجيش المالي بأسر رئيس البلاد باه نداو ورئيس الوزراء ووزير الدفاع. وفي هذه العملية، تولى نائب الرئيس أسيمي غوتا السلطة وعزل السلطة التنفيذية.
أما في غينيا، فاستولت مجموعة القوات الخاصة على السلطة في 5 سبتمبر 2021 ، وأطاحت بألفا كوندي.
ومنذ ذلك الحين، أعلن العقيد مامادي دومبويا، رئيس المجلس العسكري الحاكم، في 22 يناير، عن قائمة تضم 81 عضوا في المجلس الوطني الانتقالي، الهيئة التي ستتولى طوال الفترة الانتقالية العمل كبرلمان في البلاد.
وفي تعليقه على الأحداث المتسارعة الجارية في بوركينافاسو، يرى رئيس معهد الاستشراق والأمن في أوروبا، إيمانويل دوبوي، في تصريحه لموقع "سكاي نيوز عربية" إن انقلاب واغادوغو "كان متوقعا"، خصوصا في ظل الشكاوى التي تقدمت بها عائلات 400 عسكري و2000 مدني- لقوا حتفهم خلال عمليات إرهابية منذ عام 2015- من عدم كفاية الوسائل المتاحة للجنود للتعامل مع الجماعات الإرهابية المسلحة والعجز عن وقف الزحف الإرهابي.
سيدياو في ورطة
ومع التأكد رسميا من وقوع الانقلاب في بوركينافاسو، لا يستبعد الخبير الفرنسي الجيوسياسي أن تعاقب المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا واغادوغو كما فعلت سابقا مع مالي وغينيا. مما يعني استبعاد ثلاث دول من أصل 15 دولة تشكل المجموعة.
وأضاف أن هذا الأمر "يجعل كينونة المنظمة الإفريقية موضع تساؤل. هذا بالإضافة إلى أن رؤية شعوب دول غرب إفريقيا للأمور لا تسير وفق نهج المجموعة. خصوصا أنها لم تستطع منع الانقلابات وكانت مهمتها الرئيسية معاقبة الأنظمة العسكرية التي أصبحت تلقى دعما كبيرا من هذه الشعوب. بدليل المظاهرات المساندة للجيش في كل من مالي وبوركينافاسو وغينيا".
فشل فرنسي
ووفقا للخبير الفرنسي، فإن التدخلات العسكرية الفرنسية لن تتأثر كثيرا بعد هذا الانقلاب، لأن تلك التي تنطلق من بوركينافاسو قليلة جدا والتي تنفذ في هذا البلد الإفريقي مركزها من مالي والنيجر. ولا تضم بوركينافاسو سوى حوالي 300 جندي فرنسي، يعملون في مهمات سرية.
لكن في المقابل، "ومع مواصلة الجيوش البوركينابية والمالية والغينية مواجهة الإرهابيين في المنطقة، وظل الوضع الراهن، سيتم الأمر بصعوبة أكبر بسبب مراجعة اتفاقيات الدفاع بين مالي وفرنسا لعام 2014" .
من جانب آخر، يعتبر إيمانويل ديبوي أن الانقلاب الجديد الذي انطلق من واغادوغو على وجه التحديد حيث أشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال خطابه الشهير في نوفمبر 2017 ، بالنموذج الديمقراطي ومبدأ الحكم في البلاد، يشكل "فشلا تاما لسياسة فرنسا" التي زعمت أنها تعزز جميع مبادئ التناوب الديمقراطي، وتحسين الوضع الأمني والاقتصادي لدول الساحل.
وخلال خمس سنوات، فقد ماكرون معظم داعميه، التشادي إدريس ديبي الذي قتل في أبريل 2021، وإبراهيم بوبكر كيتا رئيس مالي السابق الذي رحل عن الحياة الأسبوع الماضي وألفا كوندي فقد سلطته في غينيا والرئيس السنغالي ماكي سال الذي تقام ضده عدة مظاهرات شعبية في البلاد مؤيدة لعثمان سونكو، زعيم المعارضة الرئيسي، وقد يزداد الوضع تعقيدا مع احتمال ترشح ماكي سال على عكس ما ينص عليه الدستور لولاية ثالثة في عام 2023.
وبالتالي، يشير مدير معهد الإستشراق في أوروبا، إلى أن "فرنسا وقعت في فخ. لأن كل رؤساء الدول الحليفة لها في المنطقة حاليا، وصلوا لسدة الحكم بطريقة غير ديمقراطية. ما عدا محمد إيسوفو في النيجر ومحمد ولد الغزواني في موريتانيا".
ومع كل هذا الانقلابات العسكرية في منطقة الساحل، هل سيحصل تطور في عملية برخان؟ "المسألة سياسية وليست عسكرية أو أمنية" هكذا يجيب الخبير الفرنسي.
ويتابع "نعلم جيدا أن هناك إعادة تموقع وتوزيع لعميلة برخان. ولكن، هذا لا يعني تجميد عمليات مواجهة الإرهابيين. فمع كل المشاكل، الجيشان المالي والفرنسي سيواصلان عملهما ضد المتطرفين رغم أن الجيش المالي سيبقي تعاونه مع "مجموعة فاغنر" الروسية. والتعاون بين النيجريين والبروكينابيين لن ينقطع، حاله حال التعاون الحاصل بين الماليين والتشاديين والنيجيريين في هذا الشأن. الأمر الوحيد الذي سيتغير هو ارتفاع نسبة العداء تجاه فرنسا بسبب دعمها للحكومات السابقة".
ونشير إلى أنه في عام 2012، انخرطت فرنسا بشكل كامل في حملة عسكرية تسمى عملية برخان. أرسلت على إثرها 5100 جندي فرنسي لمكافحة الإرهاب في تشاد ومالي والنيجر وموريتانيا وبوركينا فاسو.