أعلنت مجموعة دول البلطيق عزمها إرسال صواريخ مضادة للدبابات وأخرى للطائرات إلى أوكرانيا، في خطوة من شأنها زيادة التوتر بين روسيا والغرب، بحسب مراقبين.
وجاءت تلك الخطوة بعد أخرى أميركية وبريطانية، حيث تسلمت أوكرانيا أسلحة فتاكة وآلاف الصواريخ الخفيفة المضادة للدبابات.
وقالت دول البلطيق الثلاث، ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، في بيان، إن الغرض من إرسال تلك الصواريخ هو "تمكين أوكرانيا من الدفاع عن نفسها حال تعرضها لعدوان روسي محتمل".
والدول الثلاث وبعد إعلان استقلالها تسعينيات القرن الماضي، شرعت في الاندماج في المجتمع الأوروبي، وهي أعضاء حاليا في الاتحاد الأوروبي و"الناتو".
تفاصيل تسليح أوكرانيا
وستتضمن صفقات السلاح هذه "صواريخ غافلن وستينغر أميركية الصنع"، حيث جاءت هذه الخطوة بعدما تلقت تلك الدول إذنا من واشنطن بهذا الصدد، بحسب بيان الدول الثلاث.
وتنص اتفاقات ولوائح الرقابة على الصادرات الأميركية من الأسلحة، على أنه يتعين على ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا الحصول على تصريح من وزارة الخارجية قبل تزويد أوكرانيا بالأسلحة.
ووفقا لتقارير صحفية، فقد أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لتصدير دول البلطيق أسلحة أميركية فتاكة إلى كييف، من بينها منظومات مضادة للدروع وصواريخ من نوع "أرض-جو".
ومعلقا على صفقات سلاح دول البلطيق لأوكرانيا، يقول الخبير في الشأن الروسي، نبيل رشوان، إن "ليتوانيا عرضت بالفعل ذلك، ربما بسبب رفض ألمانيا القاطع توريد سلاح لأوكرانيا".
ويضيف، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية": "دول البلطيق كان لها وضع خاص، وهي أقرب لموسكو من كييف، ولم تعترض روسيا على استقلالها ولا ضمها للناتو، بل روسيا في عهد يلتسين أول من اعترف باستقلالها".
ويؤكد: "بالطبع من شأن إرسال تلك الأسلحة أن يزيد منسوب التوتر في الأزمة الأوكرانية ويعقّدها أكثر من حلها".
واشنطن ولندن ترسلان.. وبرلين تمتنع
وفي خضم تصاعد الأزمة، خصصت واشنطن ما قيمته 200 مليون دولار من الصواريخ المضادة للدبابات والذخيرة وغيرها من المعدات إلى أوكرانيا.
وقالت السفارة الأميركية في كييف، السبت، إن الدفعة الأولى من المساعدات العسكرية الأميركية الجديدة وصلت إلى أوكرانيا.
وتشمل الشحنة الأولى من المساعدات نحو 200 ألف رطل (90.7 طن) من الأسلحة الفتاكة، بما في ذلك ذخيرة للمدافعين عن خط المواجهة الأوكراني، بحسب البيان.
أما بريطانيا، فقال نائب وزير دفاعها، جيمس هيبي، إن بلاده سلمت أوكرانيا عدة آلاف من الصواريخ الخفيفة المضادة للدبابات.
لكن ألمانيا، أعلنت، السبت، أنها لن تمد أوكرانيا بأسلحة في الوقت الراهن، رغم التوتر المتفاقم مع روسيا.
وقالت وزيرة الدفاع الألمانية، كريستينه لامبرشت، إن برلين "تستبعد مد أوكرانيا بأسلحة في الوقت الراهن، لكنها ستسلم أوكرانيا مستشفى ميدانيا كاملا، مع التدريب اللازم في فبراير المقبل، شاركت ألمانيا في تمويله بقيمة 5.3 مليون يورو (6.01 مليون دولار)"، بحسب مقابلة مع صحيفة" بيلد" الألمانية.
وتابعت أن "ألمانيا تعالج المصابين بإصابات بالغة بين صفوف القوات الأوكرانية في مستشفياتها العسكرية منذ أعوام"، لكنها قالت إن "برلين ليست مستعدة لتزويد كييف بأسلحة حاليا".
وهنا يقول الأستاذ المساعد بجامعة لوباتشيفسكي الحكومية الروسية، عمرو الديب، إن "دول شرق أوروبا هي التي ترفع لواء رهاب روسيا داخل الاتحاد الأوروبي والناتو، لذلك الخطوات الصادرة منها متوقعة وتتجه في طريق تصعيد الأوضاع من أجل جر روسيا لحرب في أوكرانيا".
ويضيف مدير مركز خبراء "رياليست" الروسي، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية": "الأمر سيكلف روسيا الكثير جدا على المستوى الداخلي، قبل أن يكون على المستوى الخارجي".
وتأتي تلك التطورات، في خضم إعلان وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون"، أن "مناورات بحرية واسعة النطاق لحلف شمال الأطلسي ستبدأ، الاثنين، في البحر المتوسط".
من جانبها، أعلنت روسيا، الخميس، عن مناورات بحرية شاملة بمشاركة أكثر من 140 سفينة حربية ونحو 10 آلاف عسكري، ستُجرى بين يناير وفبراير بالمحيطين الأطلسي والهادئ ومنطقة القطب الشمالي والبحر المتوسط.
ورقة الغاز في جيب بوتن
وتوعدت روسيا بفرض "أخطر العواقب" إذا تجاهلت الولايات المتحدة "مخاوفها المشروعة" بشأن تعزيز الوجود العسكري الأميركي والأطلسي في أوكرانيا وعلى حدودها.
ويمتلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، ورقة الغاز الروسي لأوروبا، للضغط على دول حلف الناتو لوقف زيادة المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
ودخلت وكالة الطاقة الدولية على خط الاتهامات الموجهة إلى روسيا من زاوية الأزمة الأوكرانية، بتحقيق مصالحها من تصدير الغاز الطبيعي على حساب دول أوروبا وجيرانها.
واتّهم المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، الأسبوع الماضي، روسيا بالوقوف وراء أزمة الطاقة المتفاقمة في أوروبا، من خلال حجب نحو ثلث صادراتها من الغاز الطبيعي، في وقت تتفاقم فيه التوترات الجيوسياسية بالمنطقة.
وحمَّل بيرول روسيا "مسؤولية الارتفاع القياسي بسوق الطاقة في أوروبا خلال الشتاء الحالي، مما يهدد بانهيار أجزاء كبيرة من الاقتصاد الأوروبي، ويغرق ملايين الأوروبيين في أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة".
وعن إمكانية استخدام موسكو روقة الغاز للضغط على الغرب بالأزمة الأوكرانية، يعلق الخبير في الشأن الروسي، نبيل رشوان: "صحيح إلى حد كبير، لكن الهدف منه هو تسريع ترخيص خط الغاز السيل الشمالي 2، كما أن روسيا تدرك رغبة أوروبا في الاستغناء عن الوقود الأحفوري، بل والمحطات النووية مثل دولة ألمانيا".
ويضيف: "هنا تريد روسيا تسريع عملية توقيع عقود غاز طويلة الأمد بالأسعار الحالية، وتحسبا تحاول الآن مد خط أنابيب للصين باسم سيبيريان باور 2 خشية استغناء أوروبا عن الغاز الروسي في ظل الأسعار الحالية، مما سيشجع شركات أميركية على تصدير الغاز لدول القارة العجوز".
وتابع: "الأمر مرتبط بالدرجة الأولى بالسياسة ويتوقف على حل المشاكل الحالية العالقة، لكن في كل الأحوال روسيا ملتزمة مع الدول التي وقعت اتفاقيات معها".
رشوان يؤكد أن الغاز الروسي نجح في تقسيم المواقف الأوروبية حيال روسيا، ويقول: "نعم، الغاز يقسم مواقف الدول الأوروبية، فمثلا المجر وصربيا وقعتا اتفاقا مع روسيا بسعر مغرٍ بالنسبة للأسعار الحالية في السوق، وألمانيا تصر على استكمال (السيل الشمالي 2) رغم اعتراض أميركا في فترة ترامب ورضوخ بايدن في النهاية".
ويؤكد أن "أوروبا تستورد 40 في المائة من احتياجاتها من الغاز من روسيا، وتسعى بولندا لشراء حقل غاز نرويجي، بسبب انتهاء اتفاقياتها مع روسيا نهاية العام الحالي".
الغاز سلاح روسيا الدفاعي
وتصاعدت تحذيرات داخل الاتحاد الأوروبي، مؤخرا، من إجراءات غير مسبوقة ضد روسيا، إذا واصلت عدوانها على أوكرانيا، التي تمر من خلالها خطوط أنابيب الغاز.
كما تصاعدت أزمة بين ألمانيا وروسيا، على خلفية مواصلة موسكو أعمال خط أنابيب "نورد ستريم 2" للغاز الطبيعي، إذ أعلنت ألمانيا أن خط الغاز الروسي لن يعمل خلال النصف الأول من 2022، في خطوة عدّتها روسيا استهدافا لمكاسبها من تصدير الغاز إلى أوروبا.
وبهذا الشأن، يقول الديب: "لا يمكن لروسيا استخدام الغاز كسلاح ضد الاتحاد الأوروبي، لأنها مرتبطة بعقود طويلة الأمد مع معظم تلك الدول، لذلك لن يكون هذا السلاح فعالا في يديها ضد الدول التي ترتبط بعقود معها".
ويستدرك: "لكن هنا يجب أن نشير إلى أن هناك نسبة يمكن أن تتلاعب بها روسيا مع السوق الأوروبية، وهي السوق الفورية التي تبيع فيها روسيا الغاز، لكنها ليست كبيرة، كما يمكن للغاز الأميركي المسال والغاز القادم من أذربيجان تخفيف أزمة أوروبا حيال الغاز الروسي".
وعن استخدام الغاز كورقة ضغط على الغرب بأزمة أوكرانيا، يفسر: "يمكن أن نفترض ذلك، ولكن هذا يدفع الدول الأوروبية للتفكير في التخلص من تبعيتها الطاقية لروسيا في المستقبل القريب، لذا فالأمر لا يصب في مصلحة الروس الذين قاموا بإنشاء مشروعين كبيرين لنقل الغاز (السيل التركي) و(نورد ستريم 2) للمدى الطويل".
ويستطرد: "كما أن إمكانية استخدام روسيا للغاز كسلاح سيفقد روسيا الدعم الفرنسي الإيطالي الألماني لمشاريع الغاز الروسية لنقله لأوروبا".
منجانبها، تشدد روسيا على "عدم وجود نية لديها للتدخل عسكريا في أوكرانيا، على الرغم من نشرها قوات وأسلحة عند حدودها".
وكانت الخارجية الروسية قد أكدت، الأسبوع الماضي، أن روسيا "ستلتزم بجميع المعايير أثناء التصديق على مشروع الغاز (السيل الشمالي-2)، وأعربت عن أملها في ألا يتم تأخير العملية وتسييسها بشكل مصطنع".