قبل أربعة قرون بدأت العلاقات الدبلوماسية بين روسيا وأوكرانيا، وطغت عليها صفة الصراع أكثر من التعاون، فيما قد يفسر أسباب العداء المستحكم حاليا بين موسكو وكييف.
ومنذ القرن السابع عشر الميلادي تطورت العلاقات بين روسيا وأوكرانيا رسميا، لكن توقفت عام 1764، فعادت لفترة قصيرة بعد الثورة البلشفية عام 1917.
وفي العصر الحديث بدأت خلال الحرب العالمية الأولى أثناء الإمبراطورية الروسية السابقة، وتغيرت عام 1920 بعد احتلال الجيش الأحمر الروسي لأوكرانيا.
لذلك، يتحدث الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، اليوم عن "شعب واحد"، بحسب "إذاعة صوت ألمانيا"، التي أكدت أن هاتين الأمتين لهما عبر التاريخ مسار مختلف في الثقافة واللغة رغم قرابتهما.
*محطة "الأمير الحكيم"
سر النزاع بين الجارتين، يعود لخلاف على ميراث الأمير "ياروسلاف الحكيم" الذي وحد الإماراتين بين بحر البلطيق والبحر الأسود في القرن الـ11 الميلادي.
كما أن رفات الأمير ياروسلاف هو أساس الخلاف التاريخي للحشد العسكري الروسي الحالي بالقرب من أوكرانيا، بحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" مطلع يناير الجاري.
وتضيف: "على مدار سنوات مضت، حاولت موسكو وكييف إثبات أنها الوريث السياسي الوحيد لما يسمى (اتحاد روس كييف) الذي أسسه الأمير الراحل"، ووضع البلدان صورة الأمير على الأوراق النقدية.
ويؤمن بوتن بأن "كييف روس" هو دليل على أن روسيا وأوكرانيا "فضاء تاريخي وروحي واحد، ولا وجود لأوكرانيا كدولة ذات سيادة"، بحسب الصحيفة الأميركية.
وبالنسبة لأوكرانيا فعثورها على رفات ياروسلاف سيمثل انتصارًا رمزيًا لها ولسيادتها في لحظة توتر كبير مع الجارة روسيا.
توترات التسعينيات
وجاء عام 1991، وانفصلت كييف عن الاتحاد السوفيتي عقب انهياره، فمرت علاقات البلدين بشحنات عالية من التوتر، فموسكو حينها أرادت الاحتفاظ بنفوذها، وحاولت السيطرة على جارتها بعقود الغاز الرخيصة، لكن كييف عيونها مسلطة تجاه الغرب.
وحتى 1997 لطالما أزعج هذا الأمر موسكو، لكنها اعترفت رسميا من خلال ما يسمى "العقد الكبير" بحدود أوكرانيا، بما فيها شبه جزيرة القرم، التي تقطنها غالبية ناطقة بالروسية.
سارت علاقات البلدين حتى عام 2003 شبه عادية، ثم سرعان ما حدثت أول أزمة دبلوماسية كبيرة بعهد فلاديمير بوتن، إثر قيام موسكو ببناء سد في مضيق كريتش باتجاه جزيرة كوسا توسلا الأوكرانية.
وهنا اعتبرت أوكرانيا الخطوة أنها إعادة ترسيم حدود جديدة بين البلدين، وازدادت حدة الصراع، وتم حل الأمر سياسيًا بلقاء ثنائي بين الرئيسين الروسي والأوكراني.
الثورة البرتقالية
أثناء انتخابات أوكرانيا عام 2004، دعمت روسيا المرشح الرئاسي المقرب منها، فيكتور يانوكوفيتش، إلا أن "الثورة البرتقالية" حالت دون فوزه، ففاز السياسي القريب من الغرب، فيكتور يوشتشينكو.
وخلال ولاية يوشتشينكو قطعت روسيا إمدادات الغاز عن كييف مرتين، في عامي 2006 و2009، كما قُطعت إمدادات الغاز إلى أوروبا المارة عبر أوكرانيا.
وفي عام 2008، حاول الرئيس الأميركي الأسبق، جورج دبليو بوش، إدماج أوكرانيا وجورجيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وقبول عضويتهما من خلال برنامج تحضيري.
وبعد أربعة أشهر، هزمت روسيا جورجيا في حرب استمرت 5 أيام واندلعت عندما استخدمت الدولة الواقعة في جنوب القوقاز القوة لمحاولة استعادة السيطرة على مقاطعة أوسيتيا الجنوبية الانفصالية التي تدعمها موسكو.
وسرعان ما اعترفت روسيا بأوسيتيا الجنوبية ومقاطعة جورجية متمردة أخرى هي أبخازيا، كدولتين مستقلتين وعززت هناك موطئ قدمها العسكري.
القرم ودونباس ذروة الصراع
ووصل صراع البلدين إلى ذروته عام 2014، حين ضمت موسكو شبه جزيرة القرم، فمثل ذلك النواة الحقيقية للحرب التي تدق طبولها الآن.
وحينها احتشدت قوات روسية شبه عسكرية بمنطقة الدونباس الغنية بالفحم شرقي أوكرانيا من أجل انتفاضة، وتم إعلان جمهوريتين شعبيتين في دونيتسك ولوهانسك، يترأسهما روس.
أما كييف، وبعد انتهاء الانتخابات الرئاسية مايو 2014، فردت بعملية عسكرية كبرى سمّتها "حرب على الإرهاب".
وبحسب تقارير غربية، فكان لدى الجيش الأوكراني دحر الانفصاليين، إلا أن روسيا تدخلت عسكريًا بشكل هائل، وانتهت الحرب سبتمبر 2014 بتوقيع "اتفاق مينسك".
ويؤكد المحلل السياسي محمد فراج أبو النور، الخبير في الشؤون الروسية، أن "أوكرانيا لن تستطيع استرداد القرم مرة أخرى"، مشيرا إلى أنه يجب أن تحافظ على وحدة الأقاليم الباقية.
وأضاف أبو النور، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن روسيا استردت القرم لأنها أرض روسية تاريخيا وكانت قد آلت إلى أوكرانيا بموجب قرار فردي من خوروشوف الزعيم السوفيتي 1954، وهذا القرار لم يصدق عليه من قبل الاتحاد السوفيتي السابق بالشكل القانوني الواجب.
أبو النور يضيف أن القرم أرض روسية في المقام الأول منذ عام 1783 وتابعة لروسيا رسميا، وجزء لا يتجزأ من الأراضي الروسية.
أما التوتر الجديد الحالي بين البلدين يترافق مع خطاب أميركي أوروبي يتوعد موسكو بـ"عواقب اقتصادية وخيمة"، حال غزت أوكرانيا.
كما يتزامن مع اقتراب الموعد المفترض للغزو الروسي لأوكرانيا، الذي تقول تقارير استخبارية غربية إنه في أواخر يناير الجاري ومطلع فبراير المقبل.
ومعلقا على ذلك، يقول عمرو الديب، الأستاذ المساعد بجامعة لوباتشيفسكي الحكومية الروسية، إن "روسيا لا تستطيع مواجهة واشنطن عسكريا، ولا واشنطن لديها القدرة على ذلك".
ويضيف الديب، مدير مركز خبراء رياليست الروسي، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية": "نحن فقط أمام فصل جديد للحرب الباردة، لذا فالحوار والمفاوضات السلمية هما النهاية والسبيل لحلحلة الأزمة".
واعتبر أن "اجتياح روسيا لجارتها أوكرانيا لن يفيد موسكو التي حققت هدفها بضم شبه جزيرة القرم، كما أنها تعي جيدا التكلفة الباهظة لتلك الخطوة".