في تطور آخر لإعادة تشكيل الحياة العامة في أفغانستان، كشفت حركة طالبان الحاكمة النقاب عن مجموعة من القيود والقواعد، التي على أي وسيلة إعلام محلية أو أجنبية تعمل في البلاد أن تلتزم بها، وإلا ستتعرض للإغلاق والمحاسبة من قِبل الحركة المتشددة.
واعتبر مراقبون هذه الضوابط الجديدة محاولة من طالبان لتأسيس نظام سياسي واجتماعي وثقافي للحكم، خاضع لإيديولوجية الحركة ورؤيتها، وشبهوها بما فعله النظام الإيراني في أعقاب ثورة 1979، إلى أن أخضع الحياة العامة تماما.
التعليمات الجديدة التي وزعتها الحركة على مختلف وسائل الإعلام، تضمنت منعا لعرض أي برامج درامية أو مسلسلات تلفزيونية أو أفلام تتضمن مقاطع مصورة لممثلات، كذلك طالبت وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي حلت محل وزارة شؤون المرأة بعد سيطرة الحركة على حكم أفغانستان، وسائل الإعلام المحلية بعدم عرض أي مواد "تتعارض مع القيم الإسلامية والأفغانية".
التوجيهات الجديدة التي كشفتها الحركة، أكدت أنه من المحظور بث الأفلام التي تروج للثقافات والتقاليد الأجنبية في المجتمع الأفغاني، أو ما سمتها بـ"نشر الفسق"، لكن الحركة أكدت أنه يسمح للصحفيات والمذيعات بالظهور في البرامج والتقارير التلفزيونية، شريطة التزامهن بالزي الإسلامي، بالذات الحجاب.
ولم تحدد الحركة ما تعنيه تفصيلا بـ"الزي الإسلامي"، لكن ما ظهر منه في الشارع الأفغاني خلال الفترة الماضية، الذي سمحت به الحركة بالنسبة للنساء في الأماكن العامة، يتعلق بتغطية كامل الجسم بما في ذلك الشعر والوجه والكفين، ولم تفرض الحركة زي "الجادور" الأفغاني التقليدي كما كانت تفعل في تسعينات القرن الماضي في فترة الحكم الأولى للحركة.
الإعلامية الأفغانية سعادات خرمادي، التي كانت تعمل في قناة "آريانا" الأفغانية من قبل وتقيم راهنا في باريس، شرحت في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية" أهداف الحركة من مثل هذه التوجيهات الجديدة، وقالت: "تملك الحركة برنامجا كاملا لإخراج النساء من الفضاء العام، من المدارس وسوق العمل والأنشطة المدينة، والآن من الإعلام والمنتجات الدرامية والثقافية. النساء وحريتهن أكبر تحديات تواجه الحركة التي تريد إخضاعهن".
وتتابع خرمادي: "من خلال مراجعة تاريخ الإعلام والثقافة في إيران، يبدو واضحا أن كل شيء يتكرر تفصيلا. ففي الحالتين هناك سعي لإخضاع المؤسسات الثقافية والمنابر الإعلامية لنشر أيديولوجية التيار الحاكم، وتاليا الهيمنة الرمزية على البلاد إلى جانب السيطرة العسكرية والأمنية".
ورغم التعهدات التي قطعتها حركة طالبان باحترام حقوق النساء والحريات العامة في البلاد، فإن مجموعة القرارات التي اتخذتها طوال الشهور الثلاثة الماضية ناقضت تلك التعهدات تماما، وفي مختلف مجالات الحياة.
وكان الآلاف من الإعلاميين والفنانين الأفغان قد غادروا البلاد خلال الشهور الماضية، إلى جانب المئات من الشركات والمؤسسات الإنتاجية والفنية التي تعمل في القطاعات الإعلامية والسينمائية والثقافية، بعدما توقفت تماما أعمال تلك القطاعات في أفغانستان.
الباحث آراس فائق توقع أن تنمو مئات المؤسسات الإعلامية والفنية الأفغانية في الخارج خلال السنوات المقبلة، بتوجه شبيه بما يجري في إيران، حيث أعداد المتابعين الإيرانيين لتلك المنابر الخارجية أكثر من متابعة القنوات والمؤسسات والمنابر الداخلي، حسبما يشرح الباحث في حديث مع "سكاي نيوز عربية".
وقال فائق: "يستحيل قطع صلة قرابة 40 مليون أفغاني مع العالم الخارجي مجددا، ولأنه تتوفر نخبة فنية وثقافية ومعرفية أفغانية شديدة الثراء في الخارج، بالذات من عشرات الآلاف الذين نزحوا خلال الشهور الماضية، ولأن كل ما سيكون في داخل أفغانستان سيكون قليل الجاذبية والتأثير، فإن الأفغان في الخارج سيوفرون مؤسسات إعلام وإنتاج فني بديلة في الخارج، وستكون محل متابعة شديدة من أفغان الداخل".