بعد انتقادات داخلية ودولية على حد سواء، نشرت وسائل إعلام مُقربة من النظام الإيراني صورا قالت إنها لمحاكمة المُتهمين بقضية إسقاط الطائرة المدنية الأوكرانية، التي سقطت نتيجة إطلاق الدفاعات الجوية الإيرانية صاروخا دفاعيا عليها، بُعيد إقلاعها من مطار طهران المدني في أوائل العام 2020، وراح ضحيتها 176 راكبا.
الحادثة التي وقعت قبل قُرابة عامين من الآن، لم تكن السُلطات الإيرانية قد قامت بأي إجراء طبيعي بشأنها، مثل إعلان نتائج التحقيقات أو المحاكمات وتعويض الضحايا، بالرغم من كُل تعهداتها.
موقع "ميزان أونلاين"، المُقرب من المؤسسة القضائية الإيرانية، قال إن مجموع المُدعين في هذه القضية هُم 103 شخص، فالعديد من العائلات سقطت لها أكثر من ضحية، مُضيفة أن السُلطة القضائية، وبعد تحقيقيات مطولة طوال عامين كاملين، وجهت التُهمة إلى 10 عسكريين إيرانيين، من مُختلف الرُتب العسكرية.
لكن المثير في الأمر هو إشارة الموقع إلى أن المحكمة قد تُحدد تهمة "التسبب بالأذية نتيجة خطأ بشري" كإطار عام للقضية، الأمر الذي قد يعني أن النتيجة لن تكون أكثر من "إخلال بالوظيفة العامة".
وكانت طائرة أميركية مُسيرة قد قصفت موكب قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سُليماني، فجر 3 يناير من العام 2020، بالقرب من مطار بغداد الدولي، فدخلت الدفاعات الجوية الإيرانية في حالة تأهب قصوى طوال الأيام اللاحقة، وعلى إثرها أطلقت صاروخاً أسقط الطائرة المدنية الأوكرانية، بعد 5 أيام من وقوع تلك الحادثة.
ولم تعترف السُلطات الإيرانية بدورها في تلك الفعلة، إلا بعد 3 أيام من حدوثها، وبعد ضغوط وأدلة دامغة قدمتها الجهات المختصة وتهديد كُل من أوكرانيا وكندا بالمطالبة بتحقيق دولي.
السلطات الإيرانية كانت قد تعهدت أولاً بدفع تعويضات بمقدار 150 ألف دولار لعائلات كُل واحد من الضحايا، وإجراء تحقيق ومحاكمة شفافة. لكن الحكومتين الأوكرانية والكندية بقيتا تُشككان بذلك، وتشيران إلى مرور قُرابة العامين على حدوث الأمر، دون أن يتحقق أي شيء على أرض الواقع.
القضاء العسكري الإيراني أعلن أن لائحة الاتهام التي وجهها إلى المُتهمين العشرة مكونة من 200 صفحة، مضيفاً أن تحقيقات تفصيلية جرت لأكثر من 18 شهراً، حسبما قال شكر الله بهرامي، رئيس القضاء في القوات المسلحة، قائلاً إن التحقيقات تقصدت الاستعانة بخبرات في نظام ثوروم ورادارات المراقبة الجوية والمتفجرات وقواعد الملاحة الدولية، مؤكداً أن الحكومة والقوات المُسلحة تعاونت مع الجهاز القضائي.
المعلومات التي نقلها ذوو الضحايا عن إجراءات الجلسة الأولى من المحكمة، والتي نقلتها وسائل التواصل الاجتماعي الإيرانية، ذكرت أن القاضي الرئيسي في الجلسة طلب المغفرة للضحايا، وأدخل الإجراءات في إطار خطاب الأخوة و"روح التسامح"، بعد حدوث خطأ أدى إلى فاجعة.
الكاتب والباحث آراس فائق شرح في حديث مع "سكاي نيوز عربية" المُعضلة الجوهرية التي تعاني منها إيران من مسألة محاكمة ضباط من جيشها بهذا الشكل: "ثمة حرص شديد من قِبل السُلطة الإيرانية لأن تظهر على الدوام كجهة حامية لأفراد جيشها، أياً كانت أفعالهم، خصوصاً في مواجهة الآخرين. فهذا الشرط بالنسبة للنظام الإيراني واحد من أساسيات ربط تلك القوات بالقيادة السياسية للبلاد".
يتابع فائق حديثه: "من طرف آخر، فإن هذه المُحكمة، فيما لو كانت شفافة بما فيه الكفاية، فأنه ستُظهر ضعفاً عضوياً في بنية الجيش الإيراني، لأن مستوى وفداحة الخطأ الذي ارتكبه الجيش في الحادثة، يدل من طرف على سوء تنسيق شديد بين مختلف مؤسساته وأجهزة سيطرته الميدانية. كذلك يدل على الرُعب المُستبطن الذي يحمل الجيش الإيراني تجاه أية هجمة خارجية. وهذه أمور تسعى السُلطة الإيرانية لأن تكبته وتمنع ظهوره للعلن".