تعكس النتائج الأولية للانتخابات المحلية، التي أجريت في فنزويلا قبل يومين، جانباً من مستقبل المشهد السياسي بالبلد المثقل بالأزمات السياسية والاقتصادية الطاحنة، وسط توقعات بأن يستثمر الرئيس نيكولاس مادورو فوز أنصاره في مواجهة الولايات المتحدة وعقوباتها.
وأسفرت الانتخابات المحلية عن فوز ساحق لمعسكر الرئيس مادورو، الذي لا يعترف جزء من المجتمع الدولي بشرعيته ونتائج انتخابات 2018 التي تم خلالها إعادة انتخابه رئيساً للبلاد.
وهنأ مادورو الحزب الاشتراكي الموحد (الحزب الحاكم) بالفوز بمناصب رؤساء الأقاليم في 20 ولاية، وذلك من أصل 23 من مناصب الحكام (بعد فرز 90,21 بالمئة من الأصوات)، كما فاز برئاسة بلدية كاراكاس، مما يشكل ضربة للمعارضة التي تشارك للمرة الأولى منذ اقتراع 2017 بعد مقاطعتها الانتخابات التشريعية والرئاسية.
وشكلت الانتخابات تحدياً من نوعٍ خاص للنظام والمعارضة، ما بين سعي الرئيس مادورو إلى رفع العقوبات المفروضة على بلاده، ومحاولة المعارضة إعادة ترتيب صفوفها قبل انتخابات 2024 الرئاسية.
ومن شأن فوز معسكر مادورو أن يعطي دفعة للنظام السياسي الحاكم بالبلاد، في ظل ما يواجهه من أزمات داخلية، فضلا عن التحديات الخارجية، لا سيما العقوبات الأميركية المفروضة على كاراكاس.
ويُعتقد أن خسارة المعارضة مناصب حكام الأقاليم الأربعة التي سبق أن فازت بها عام 2017 سيفقدها قاعدة قوية لبدء حملة للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في عام 2024".
انعكاسات
وفي تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، يُحلل الباحث المتخصص في شؤون أميركا اللاتينية من المغرب، محسن منجيد، نتائج الانتخابات في فنزويلا.
ويقول: "المعارضة في كاراكاس خرجت من هذه الانتخابات أضعف مقارنة بما كانت عليه قبل دخولها".
ولم تحصل المعارضة في فنزويلا على النتائج التي كانت تطمح إليها، كما لم تستطع الظهور أمام الناخبين كمجموعة متناسقة بعد فشلها في توحيد لوائح مرشحيها لمنافسة الحزب الحاكم.
وبلغت نسبة المشاركة في انتخابات الأحد 41,8 بالمئة، وبلغ عدد المقترعين 8,1 ملايين، في الوقت الذي تلوح فيه المعارضة بحدوث عمليات تزوير.
وفازت المعارضة بثلاث ولايات فقط هي (جزيرة نويفا وإسبارتا ووكوخيديس).
وفي هذا الإطار، يشير منجيد إلى أن "الأصوات تعالت بعد هذه الاستحقاقات للتنبيه إلى المخالفات وعدم تساوي المعارضة والأغلبية في الحظوظ منذ بداية الحملة الانتخابية، سواء من خلال الولوج إلى وسائل الإعلام والضغط على الناخبين أو استمالتهم من طرف الحزب الحاكم".
وأضاف: "ومن المرتقب أن يقدم مراقبو هذه الانتخابات من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة تقريرهم يوم الثلاثاء حول الظروف العامة التي مرت منها الانتخابات".
رفع العقوبات
ويشكل هذا الانتصار بالنسبة للرئيس مادورو "فرصة إضافية للتأكيد على شرعيته الانتخابية في الاستحقاقات السابقة، وسيستعملها كورقة لمخاطبة المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة؛ من أجل المطالبة برفع العقوبات وإتاحة الفرصة أمام الفنزويليين لضمان العيش الكريم"، بحسب ما يؤكده الباحث متخصص في شؤون أمريكا اللاتينية.
ويوضح أن مادورو انفتح على المعارضة في هذه الانتخابات من خلال مسلسل المفاوضات التي دارت في المكسيك، وذلك لعلمه أن هذه الاستحقاقات لا تدور حول شرعيته الشخصية كزعيم للبلاد بل حول مناصب المسؤولية على المستوى الجهوي والبلدي.
وقال الرئيس مادورو تعليقاً على النتائج الأولية للانتخابات: "نصر رائع جاء نتيجة العمل الدؤوب".
بينما كان المعارض هنريكيه كابريليس (مرشح رئاسي سابق لمرتين) قد عبر عن قلقه قبيل الإعلان عن نتائج الانتخابات من حدوث عمليات تزوير، بالإشارة إلى مسألة إغلاق مراكز الاقتراع في ساعة متأخرة، على حد قوله في تغريدة له عبر تويتر.
انقسامات المعارضة
ويلفت الباحث في شؤون أميركا اللاتينية إلى أن الرئيس الفنزويلي "سيؤكد بلا شك رغبته في الحوار وتحقيق الوحدة الوطنية مع أحزاب المعارضة، لكن ذلك دون تقديم أي تنازل عن سلطاته كرئيس للبلاد وزعيم للحزب الفائز في الانتخابات، بينما بالنسبة للمعارضة تشكل هذه الانتخابات فرصة لكي توحد صفوفها بشكل فعلي، وتعمل على تفادي الانقسامات التي تضعف قوتها الجماعية، فهي لم تنجح بمقاطعة الانتخابات التشريعية لسنة 2020 ولم تنجح في الانتخابات الجهوية والبلدية بعد المشاركة فيها".
ويتحدث الباحث متخصص في شؤون أميركا اللاتينية في الوقت ذاته عن تراجع الدعم الداخلي الموجه لخوان غوايدو كشخصية محورية في المشهد السياسي الفنزويلي، وحتى على المستوى الدولي، فلم يعد الاتحاد الأوروبي يعترف بغوايدو كرئيس للجمعية الوطنية منذ انتهاء ولايته التشريعية وفقا للدستور الفنزويلي.
وهو ما يفرض على أطياف المعارضة التنسيق حول كيفية وآليات مواجهة مادورو بشكل موحد استعدادا للانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها في العام 2024، فليس من المنتظر أن يتخلى مادورو عن السلطة قبل هذا التاريخ.