جاءت كلمات وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الجمعة، لتعبّر عن مخاوف واسعة لواشنطن من تنامي نفوذ الصين ووجودها في أفريقيا، وسط مساع إلى كسب أرضية أوسع بالقارة السمراء.
وأعلن البيت الأبيض، الجمعة، أن الرئيس جو بايدن سيدعو زعماء من كل أنحاء القارة الإفريقية لحضور القمة الثانية لقادة الولايات المتحدة وإفريقيا العام المقبل.
وحسب بيان للرئاسة الأميركية فإن هذه القمة تدخل في سياق الجهود الرامية لتعزيز العلاقات مع الشركاء الأفارقة على أساس " الاحترام المتبادل والمصالح والقيم المشتركة". ولم يكشف البيت الأبيض عن موعد محدد لانعقاد القمة.
وفي كلمة ألقاها في مقر المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (سيدياو) في أبوجا عاصمة نيجيريا، لم يأت بلينكن على ذكر الصين بالاسم، لكنه قال إن الأفارقة "يتعاملون بحذر مع الشروط" التي ترافق في غالب الأحيان الالتزامات الخارجية.
وأضاف: "أودّ أن أكون واضحا، الولايات المتحدة لا تريد الحد من شراكاتكم مع دول أخرى، نريد تعزيز شراكاتنا أكثر، لا نريدكم أن تختاروا، نريد أن نعطيكم خيارات.. نهجنا سيكون مستداما وشفافا ومبنيا على القيم".
وتابع: "الاتفاقات مع دول أخرى حول البنى التحتية قد تكون غامضة وقسرية وتغرق البلدان في ديون طائلة وتدمر البيئة ولا تفيد دائما الشعوب التي تعيش هناك.. نحن سنقوم بالأمور بشكل مختلف".
لاعب جيوسياسي كبير
وأقر الدبلوماسي الأميركي بريبة العديد من الدول الإفريقية، قائلا: "لم تعامل الدول الإفريقية أحيانا كثيرة كشركاء على قدم المساواة، بل كشركاء ثانويين أو حتى أسوأ من ذلك، إننا مدركون أيضا لكون عقود من الاستعمار والاستعباد والاستغلال تركت إرثا أليما لا يزال حيا إلى اليوم".
لكنه شدد على أن إدارة بايدن "على قناعة راسخة بأن الوقت حان للتوقف عن معاملة إفريقيا كملف جيوسياسي، وبدء معاملتها على أساس ما هي عليه اليوم، لاعب جيوسياسي كبير".
والأربعاء، بدأ بلينكن جولة إفريقية ستشمل 3 دول بدأها بكينيا ثم نيجيريا وسيختتمها في السنغال، بتعاون في مكافحة التغير المناخي وكوفيد-19.
والخميس، وقّع بلينكن على برنامج مساعدات تنموية بقيمة 2.17 مليار دولار مع وزير الخارجية النيجيري جيفري أونياما، وأكد أن واشنطن ستواصل أيضاً الاستثمار في الأمن بنيجيريا، لافتاً إلى أن الدول المتقدمة في مجموعة السبع ستستثمر في إفريقيا ضمن ما يسمى "برنامج بناء عالم أفضل".
دعوة لقمة أميركية إفريقية
وقبيل قمة صينية أفريقية مرتقبة نهاية الشهر الجاري، قال وزير الخارجية الأميركي: "كمؤشر على التزامنا بشراكاتنا عبر القارة، ينوي الرئيس بايدن استضافة قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا".
وأضاف أن الخطوة المرتقبة تأتي لـ"الدفع قدما بنوع من الدبلوماسية عالية المستوى والانخراط القادرين على إحداث تحوّل في العلاقات وجعل التعاون الفعّال أمرا ممكنا"، دون تحديد موعد للقمة.
قمة فوكاك
وتأتي الخطوة في وقت تكثّف الصين انخراطها في أفريقيا بما في ذلك من خلال اجتماع كبير هذا الشهر في السنغال، التي يتوجّه إليها بلينكن اليوم الجمعة.
ومن المقرر أن يُعقد المؤتمر الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي (فوكاك) في السنغال في نهاية شهر نوفمبر الجاري.
ووفق نائب وزير التجارة الصيني تشيان كه مينغ، في تصريحات صحفية، فإنه رغم كوفيد-19، سيجتمع أعضاء المنتدى البالغ عددهم 55 عضوا، مما يظهر الرغبة القوية لدى الصين وأفريقيا لتعميق التعاون الثنائي.
ويعتقد تشيان أن المؤتمر سيعزز الشراكة الاستراتيجية والتعاونية الشاملة بين الصين وأفريقيا ويرسم مسارا للتنمية المستدامة والعالية الجودة للتعاون الصيني الأفريقي. كما قال إن المؤتمر سيلعب دورا إيجابيا في بناء مجتمع صيني أفريقي ذي مستقبل مشترك في العصر الجديد.
الصين أكبر شريك اقتصادي لإفريقيا
وحافظت الصين على مكانتها كأكبر شريك تجاري لأفريقيا لمدة 12 عاما متتالية. وتحدت التجارةُ الثنائيةُ الضغوطَ الوبائية لتصل إلى 187 مليار دولار أميركي في عام 2020.
ومنذ إنشاء المنتدى ي عام 2000، استوردت الصين سلعا بقيمة 1.2 تريليون دولار أميركي من أفريقيا وصدرت سلعا بقيمة 1.27 تريليون دولار أميركي إلى القارة السمراء، وفق وكالة الأنباء الصينية (شينخوا).
وارتفعت التجارة بين الصين وإفريقيا بنسبة 38.2 بالمائة على أساس سنوي، لتصل إلى 185.2 مليار دولار أميركي في الفترة من يناير إلى سبتمبر، وهو أعلى مستوى تاريخي لها لنفس الفترة.
كما بلغت استثمارات الصين المباشرة في أفريقيا 2.59 مليار دولار أميركي في الأشهر التسعة الأولى، بزيادة 9.9 في المائة على أساس سنوي.
أهداف اقتصادية وسياسية
أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية، سعيد صادق، قال إن جولة بلينكن تستهدف كسب أرضية أوسع في مواجهة تمدد نفوذ الصين التي تعمل على توسيع دائرة وجودها اقتصايا واستراتيجيا في جميع أنحاء إفريقيا وهو تحرك تخشاه واشنطن وتعتبره جزءا من جهد كبير لإعادة تشكيل النظام العالمي.
وأضاف صادق، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن فترة الرئيس السابق دونالد ترامب عززت من قوة الصين وروسيا في أفريقيا وحلتا مكان أميركا في كثير من دول القارة السمراء وباتت بكين صديقا يمكن الوثوق به والاعتماد عليه خاصة مع استعلاء ولا مبالاة الإدارة الأميركية السابقة.
وأوضح أن الصين تصرف ببذخ في إفريقيا ما يجعلها بديلا سهلا عن المساعدات المشروطة من الغرب فهي لا تخشى تحمل المخاطر بالاستثمار ولن تستطيع أميركا مجاراتها.
وأشار إلى أن للصين أهدافا أخرى غير اقتصادية، وهي إقامة قواعد عسكرية كما الحال في جيبوتي، وأخرى سياسية كالاستفادة من الكتلة التصويتية للقارة الإفريقية في المحافل الدولية في قضايا هامة مثل قضية "الصين الموحدة" وتسويق نمط النظام السياسي القائم على الحزب الواحد.
وأكد على ضرورة ألا تركز أميركا فقط على الملف الأمني والإرهاب وإقامة علاقات جيدة مع مجموعة واسعة من البلدان الإفريقية خاصة في أزمة كورونا الحالية، مثلما فعلت بكين من خلال منتدى التعاون بين الصين وإفريقيا.