بات الاتحاد الأوروبي ثالث قوة دولية تدخل على خط الحرب ضد "داعش" في موزمبيق جنوب شرقي إفريقيا، بعد مؤشرات مقلقة على تمدد التنظيم الإرهابي هناك.
وسيكون التدخل الأوروبي في موزمبيق على شكل بعثة عسكرية ستتولى تدريب وحدات الجيش على محاربة الإرهابيين، شمال شرقي البلاد، حيث ينشط "داعش".
موزمبيق، التي توقع خبراء أن تتصدر المشهد العالمي للطاقة بفضل الاكتشافات الهائلة للغاز، باتت مهددة جراء تمدد "داعش" في جنوب شرقي القارة الإفريقية.
ويخشى كثيرون أن يمدد الإرهاب سنوات الصراع في موزمبيق، التي تسجل مؤشرات مثيرة للقلق في عدد ضحايا التنظيم والنازحين، في حصيلة تضاف لضحايا العنف المستمر منذ نهاية الحرب الأهلية عام 1992.
أسلحة ومهام تدريب أوروبية
وأرسل الاتحاد الأوروبي إلى موزمبيق 1100 عسكري في مهمة تستمر عامين لتدريب وحدات التدخل السريع على قتال الإرهابيين، كما سيزود الاتحاد الجيش الموزمبيقي بأسلحة غير فتاكة.
وقال قائد القوات المسلحة الموزمبيقية يواكيم مانغراس، في تصريحات صحفية من العاصمة مابوتو، إن "العسكريين الذين سيتدربون هنا سيكونون قادرين على الذهاب في مهمة".
وفي يونيو الماضي، تمخضت قمة استثنائية لـ"مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية"، التي تضم 16 دولة في جنوب القارة السمراء، عقدت في مابوتو عن الموافقة على مهمة للقوة التابعة للمنظمة لـ"دعم موزمبيق في معركتها ضد الإرهاب وأعمال العنف التي يقوم بها متطرفون".
وفي مطلع أكتوبر، قررت الدول الـ16 المنضوية في المجموعة تمديد مهمة القوة الإقليمية المنتشرة في مقاطعة بموزمبيق منذ يوليو، كان يفترض أن تنتهى في الـ15 أكتوبر.
وفي وقت سابق من هذا العام، أرسلت البرتغال والولايات المتحدة وحدات خاصة إلى موزمبيق في مهمة تدريبية.
وفي المجموع، هناك أكثر من 3100 عسكري أجنبي (من دول إفريقية وأوروبية والولايات المتحدة) يتمركزون في مقاطعة كابو ديلغادو.
وكانت رواندا أول دولة إفريقية ترسل قوات إلى موزمبيق في يوليو الماضي، وأعلنت القوات الرواندية انتصاراتها الأولى في مطلع أغسطس الماضي، مؤكدة أنها دحرت الإرهابيين في ميناء موسيمبوا دا برايا الاستراتيجي.
ومنذ نهاية 2017 تزرع جماعات إرهابية مسلحة الرعب في كابو ديلغادو، المقاطعة الفقيرة ذات الغالبية المسلمة في موزمبيق، التي يعرف عنها غناها بالغاز الطبيعي.
وأسفرت أعمال العنف في هذه المقاطعة عن مقتل 3340 شخصا على الأقل، وأجبرت أكثر من 800 ألف شخص على مغادرة منازلهم.
انسحاب توتال
وتسببت هجمات "داعش" في عرقلة مشاريع تصدير الغاز، التي تأمل موزمبيق أن تنقلها من أفقر 10 دول في العالم إلى نادي الدول الأغنى في إفريقيا.
وفي أبريل الماضي، انسحبت المجموعة النفطية الفرنسية العملاقة "توتال" من موزمبيق، معلنة وجود قوة قاهرة بمشروع للغاز الطبيعي المسال بقيمة 20 مليار دولار، أكبر استثمار خاص في إفريقيا.
وسحبت الشركة طاقم موظفيها من موقع أحد المشروعات في كابو ديلجادو، بعد هجوم لمسلحين تابعين لتنظيم "داعش" استهدف بلدة قريبة في مارس الماضي.
مجازر وقطع رؤوس
في مقال بمجلة "فورين بوليسي" الأميركية، قالت إميلي إستل الباحثة بمعهد "أمريكان إنتربرايز" إن الصراع بات على أشده في موزمبيق مع الحركات الإرهابية، ويترافق ذلك مع تزايد عدد النازحين بشكل كبير وظهور تقارير متواترة بشأن عمليات قطع الرؤوس والاغتصاب.
واعتبرت الكاتبة أن هذه المشاهد تمثل تحولا كبيرا بالنسبة لبلد كان يأمل في تجاوز سنوات الصراع، إذ وقعت حكومة موزمبيق اتفاق سلام مع المتمردين عام 2019 في أحدث محاولاتها لوقف العنف المستمر منذ نهاية الحرب الأهلية عام 1992.
وأوضحت أن التمرد في كابو ديلجادو "متجذر في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، حيث يعتبر شمال موزمبيق موطنا لكثير من الأقلية المسلمة التي لطالما تم تهميشها بعيدا من السلطة السياسية المحلية، هذا فضلا عن الانقسامات العرقية واللغوية التي تغذي الإقصاء السياسي".
ووفق الباحثة، فإن "الفساد المستشري والاضطرابات الاقتصادية الطبيعية والمختلقة فاقمت التوترات الاجتماعية، وأنتج صراعا أيديولوجيا بالمجتمع الإسلامي شمالي البلاد، الأمر الذي مثل بيئة خصبة تمخضت عنها الحركات المتطرفة".
داعش يستغل
الكاتب والباحث المتخصص في حركات الإسلام السياسي مصطفى زهران، قال إن "داعش" يستغل الواقع السياسي الهش وحالة الغضب في شمال موزمبيق، من جراء حالات الفقر والتهميش والبطالة، رغم أنها مركز اكتشافات الغاز الهائلة، لتأسيس قواعد جديدة له في شرق إفريقيا.
وأضاف زهران في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "الحل العسكري مطلوب لكنه يجب أن يكون بالتوازي مع حل جذور المشكلة عبر إعادة تنظيم توزيع الثروة العادلة والارتقاء المجتمعي، الذي لاشك أنه سينعكس إيجابا على واقع الأقليات المسلمة في الشمال بوجه خاص والموزمبيقيين بوجه عام".
وأكد الباحث على ضرورة التصدي لشبكات الفساد والتهريب التي يديرها أفراد وقيادات في السلطة، التي نجم عنها أن تحول الساحل الشمالي لموزمبيق إلى منصة كبرى للتهريب، فضلا عن ظهور اقتصاد غير مشروع، فـ"ذلك كله يعمل على تغذية الإرهاب".
وأشار زهران إلى أن "الحل العسكري وحده لم يكن ناجعا في دول الساحل الإفريقي، إذ لا تزال الحركات الإرهابية تتمدد، حتى وإن نجح ستشهد البلاد مرحلة كمون وسيعود الإرهاب للظهور مرة أخرى لعدم معالجة أصل المشكلة".