مع انتشار اللقاحات، وسهولة السفر إلى حد كبير؛ بالمقارنة بما حدث في 2020 وإغلاق معظم الدول حدودها، فإنّ شركات الطيران عادت تحقق جزءًا من الخسائر التي لحقت بها جراء إجراءات الإغلاق؛ إلا أنّها تواجه معضلة أخرى وهي معضلة كيفية المساهمة في تقليل الانبعاثات الكربونية.
وما بين تقليل رحلات السفر، أو استخدام الوقود المستدام للحد من الانبعاثات الكربونية، تتعرض صناعة الطيران بشكل عام لضغوط متزايدة، خاصّة في ظل مستقبل قاتم بشأن الحلول التي يمكن الاعتماد عليها في هذا السياق.
ويجتمع المفاوضون في قمة غلاسكو من جميع أنحاء العالم، وسط تحذيرات وأدّلة جديدة، تشير لتفاقم أزمة المناخ، مع عدم اتخاذ أية إجراءات جديّة من قِبل الدول الموقعة على اتفاق باريس 2015 للحد من الانبعاثات الكربونية.
ضغوط متزايدة
وتشير التقارير إلى أنّها أزمة كبيرة، وملحّة في الوقت ذاته، مع الوضع في الاعتبار أنّه حتى إذا تمّ التوصُّل لحلولٍ فإنّه دائمًا سينبعث من الطائرات الكربون، ولكن الأمر يتعلّق بكيفية تخفيف ذلك.
وفي ظل توقّعات الأمم المتحدة التي تشير إلى تضاعف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الطائرات ثلاث أضعاف بحلول 2050، فإنَّ هذه الانبعاثات تمثِّل حوالي 3 لـ 4 بالمئة من إجمالي الانبعاثات، وسط تحذيرات من باحثون بالمجلس الدولي للنقل النظيف بأنَّ الانبعاثات تزداد بوتيرة سريعة.
وبحسب تقرير لـ"نيويورك تايمز" فإنَّ الضغوط تتزايد على شركات الطيران للكشف عن مساهماتهم بشأن قضايا المناخ أيضًا، في حين تقوم شركات أخرى بمراجعة ميزانيات السفر لتقليل النفقات والانبعاثات.
المدير التنفيذي لشركة "يونايتد إيرلاينز"، سكوت كيربي، يقول إنَّه "من الصعب على صناعة الطيران تجربة أشياءً جديدة قبل معرفة ماهية نجاحها، إلا أنّه يؤكد "على ضرورة التكاتف لإحداث تغيير في تغير المناخ".
حلولٌ "مستحيلة"
على الرغم من محاولات إيجاد حلول، وصفها البعض بالمستحيلة، إلا أنَّ الطريق لا زال طويلًا أمام صناعة كصناعة الطائرات للحد من الانبعاثات الكربونية.
فعلى سبيل المثال، هناك جهود حثيثة لاستخدام الكهرباء للطائرات الصغيرة في الرحلات القصيرة؛ لكن إجراء نفس الشيء مع الطائرات التجارية (الخاصّة بشركات الطيران التي تسافر مسافات طويلة) يرى البعض أنّها "تكاد تكون مستحيلة".
والسبب في ذلك هو أنَّ الطائرات التجارية مثل بوينغ 787 أو إيرباص A320 فإنّها تحتاج إلى قدر هائل من الطاقة للوصول إلى ارتفاع الطيران، يفوق ما يمكن توفيره من طاقة البطاريات الحديثة.
إلا أنَّ الأمل لا زال حيًّا؛ فمن الممكن أن تساعد خلايا وقود الهيدروجين ووقود الطائرات الاصطناعي في إزالة الكربون عن الصناعة؛ وبدأت بالفعل في أوروبا، الذي تأمل شركة "إيرباص" أنْ تنجح بحلول 2035 في إنتاج طائرة خالية من الانبعاثات.
وشركة بوينج، أيضًا، تركّز حاليًّا على تطوير المزيد الطائرات الموفرة للوقود وتلتزم بضمان أن جميع طائراتها التجارية يمكنها الطيران حصريًا باستخدام وقود نفاث "مستدام" مصنوع من النفايات والنباتات والمواد العضوية الأخرى.
ووقود الطائرات المتجدد سيقلل من انبعاثات الكربون بنسبة 30 لـ 50 بالمئة فقط مقارنة بوقود الطائرات التقليدي، مع إمكانية إنتاج الطائرات من النفايات وغيرها من القمامة، ويمكن أيضًا إنتاج الهيدروجين بمصادر طاقة متجددة مثل الرياح والشمس لتقليل انبعاثات الاحتباس الحراري.
أنشطة الطيران
وفي هذا السياق؛ يقول استشاري التغيُّرات المناخية، سمير طنطاوي، إنَّ الطيران يُعّد أحد المصادر الأسرع نموًا لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
ويضيف في تصريحات خاصّة لموقع "سكاي نيوز عربية": "الطيران يؤثر أيضًا على المناخ من خلال إطلاق أكاسيد النيتروجين وبخار الماء والكبريتات على ارتفاعات عالية، مما قد يكون له تأثير مناخي كبير".
وذكّر استشاري التغيُّرات المناخية بـ"تقرير أعدّته الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران عام 2020 بشأن أهمية التأثيرات المناخية المشتركة غير ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن أنشطة الطيران، والتي قُدرت سابقًا على أنها لا تقل أهمية عن تلك الناتجة عن ثاني أكسيد الكربون وحده".
حجم الانبعاثات
في 2019 صدّرت الطائرات ما يقرب من 900 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، أي حوالي 2% من الانبعاثات الكربونية العالمية، وبحلول عام 2050 سيتضاعف عدد سكان الأرض، وهو ما سيضاعف عدد مستخدمي رحلات الطيران.
ويشير طنطاوي إلى أنَّ إذا اعتبرنا أنَّ قطاع الطيران العالمي يمثل بلدًا فسيُصنَّف في الترتيب السابع لأكثر البلدان انبعاثًا لغازات الاحتباس الحراري.
ويتابع: "وتُقدَّر الانبعاثات للمسافر الواحد خلال رحلة مسافة 5000 كيلو متر والعودة بنفس مستوى الانبعاثات الناتج عن استهلاكات الطاقة اللازمة لتدفئة منزل أوروبي عادي لمدة عام كامل".
ويستطرد بالقول: "قبل ظروف الجائحة، وطبقًا لتقديرات منظمة الطيران المدني الدولي، ففي عام 2018، بلغ إجمالي انبعاثات غاز ثنائي الكربون من نقل الركاب 747 مليون طن، ما يُمثل متوسط يقدر بنحو 88 جرامًا من غاز ثاني أكسيد الكربون لكل راكب".
ويردف: "وتتفاوت الانبعاثات لكل كيلومتر يقطعه الراكب الواحد وفقًا لحجم ونوع الطائرة، ومعدل إشغال الحمولة والركاب، والمسافة المقطوعة جوًا وتوقفات المسار، وسنة صنع الطائرة، ويكون تأثير الانبعاثات أكبر بالارتفاعات الأكثر علوًّا".
الحلول الممكنة
وعن إمكانية وجود حلول ممكنة؛ أشار إلى أنَّ منظمة الطيران المدني الدولي وافقت على قرار بشأن إجراء عالمي قائم على السوق لمعالجة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الطيران الدولي اعتبارًا من عام 2021، ومساهمة القطاع في هذه المشكلة.
ويؤكد استشاري التغيُّرات المناخية إلى أنّ الهدف هو خطة تعويض الكربون وخفضه للطيران الدولي، يشار إليها اختصارا باسم (كورسيا)، إلى تثبيت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عند مستويات 2020 ومطالبة شركات الطيران بتعويض نمو انبعاثاتها بعد عام 2020.
ويوضّح أنّه "سيُطلب من شركات الطيران مراقبة الانبعاثات على جميع الطرق الدولية وموازنة الانبعاثات من المسارات المدرجة في المخطط عن طريق شراء وحدات الانبعاثات المؤهلة الناتجة عن المشاريع التي تقلل الانبعاثات في القطاعات الأخرى (مثل توليد الطاقة من المصادر المتجددة)".
ويواصل حديثه: "خلال الفترة 2021-2035، وبناءً على المشاركة المتوقعة، يُقدر أن الخطة تعوض حوالي 80% من الانبعاثات فوق مستويات 2020، وذلك لأن المشاركة في المراحل الأولى طوعية للدول، وهناك استثناءات لمن لديهم نشاط طيران منخفض".
الوقود المستدام
ويرى "طنطاوي" أنَّ الوقود المستدام أو الحيوي لديه قدرة محدودة على استبدال الوقود الحفري، وينبغي ألا يُعتْبَر بمثابة حل سحري للتعامل مع انبعاثات قطاع الطيران، فلا يمكن للطيران بالوقود المستدام في وضعه الحالي أن يحل محل الطيران التقليدي.
ويشير استشاري التغيُّرات المناخية إلى أنَّ "كُلفة وقود الطيران المستدام أكثر 4 أضعاف من وقود الكيروسين، إلا أن المشكلة الأساسية هي في مدى توفره، ويمثل أقل من 0.1% من الوقود المستخدم في الطيران في 2019 والمقدر بـ 360 مليار لتر".
ويختم بـ"المفوضية الأوروبية تنوي إلزام شركات الطيران بتخصيص 2% من الوقود المستخدم في الرحلات الجوية لأنواع "وقود الطيران المستدام" في 2025، ترتفع لـ 5% في 2030، وحتى 63 بالمئة في 2050، وتتوقع "بوينغ" و"إيرباص" أن يصبح في مقدور طائراتها العمل بالكامل بهذا النوع من الوقود في نهاية هذا العقد".