ملفات شائكة عدة، في مختلف مجالات الحياة العامة، وجدتها حركة طالبان أمامها، مع سيطرتها على حكم أفغانستان، في أغسطس الماضي.

تحاول الحركة وضع السلاح جانبا، واستخدام وسائل أخرى لإدارة دولة غابت عن مفاصلها لنحو 20 سنة، وعادت إليها بطموح جامح لبناء نظامها الخاص.

بدأت "الحكومة الانتقالية" التي شكلتها طالبان، إدارة البلاد عبر الاعتماد على العمود الفقري للحكومة السابقة، مع تعيين مديرين وقيادات في القطاعات المختلفة، من حركة طالبان أو الموالين لها.

ولم تكن اختيارات طالبان منسجمة دائما مع بيئة العمل الحكومي، لكن الطرفين ـ القديم والجديد ـ تكيّفا مع الوضع الحالي، فكلاهما يستفيد من الآخر، للحفاظ على هيكل الدولة واستمرار خدماتها، وعدم فقدان الوظائف في النظام الجديد.

لكن أحد أكثر تعيينات طالبان في الوظائف العامة، إثارة للجدل، كان اختيارها صحفيا مواليا لها لرئاسة جامعة كابل، أكبر مؤسسة للتعليم العالي في أفغانستان، رغم كونه لا يحمل شهادات عليا.

وتسلم "محمد أشرف غيرات" وهو في الثلاثينيات من عمره، مهامه في سبتمبر الماضي، وكان من أول قراراته منع النساء في الكادر التعليمي والطالبات، من دخول الجامعة، "حتى تتوفر لهن بيئة إسلامية مناسبة".

وواصل "غيرات" قراراته المثيرة، مطالبا بتحويل تركيز الجامعة نحو الدراسات الإسلامية، وقال إنه يتطلع "لتعيين المزيد من العلماء المسلمين لتحقيق أسلمة المناهج الدراسية".

أخبار ذات صلة

أفغانستان.. طالبان تفتح المدارس الثانوية للفتيات "قريبا جدا"
غوتيريش يوجه رسالة إلى طالبان بشأن نساء أفغانستان
بالفيديو.. طالبان تفرق تظاهرة لعشرات النساء في كابل
أول رقم مخيف من أفغانستان.. 4 ملايين طفل خارج التعليم

 استقالات جماعية

منذ اختيار "غيرات" رئيسا لجامعة كابل، بدأت الهزات الارتدادية لهذا "الزلزال الأكاديمي"، وكان أولها إعلان قرابة 70 من الأساتذة استقالتهم أو استعدادهم للاستقالة، إذا لم تتراجع حكومة طالبان.

ومما زاد من احتقان مواقف الأساتذة، خبر إزاحة الدكتور محمد عثمان بابوري، نائب رئيس الجامعة ورئيسها بالإنابة، وهو الحاصل على الدكتوراه في علم العقاقير في جامعة "فيليبس"Philipps بألمانيا، بينما يحمل "غيرات" شهادة البكالوريوس في الصحافة من جامعة كابل.

لكن رئيس الجامعة الذي عينته طالبان، دافع عن نفسه، قائلا إنه قضى حياته حتى الآن في الأوساط الأكاديمية، وبالتالي يعتبر نفسه "مؤهلا تماما" لتولي هذا المنصب.

تجاوزٌ لكل التوقعات

ضج أساتذة الجامعة وعمداء كلياتها، مناهضين لهذا الاختيار، الذي يخالف المعايير الأكاديمية المتعارف عليها في أنحاء العالم.

ووصفه الدكتور نور الحق، الأستاذ بجامعة كابل، بأنه اختيار "لم يكن موفقا وتجاوز كل التوقعات". مضيفا في حديث لموقع سكاي نيوز عربية أنه "من غير المنطقي اختيار رئيس للجامعة لا يحمل حتى شهادة ماجستير، بينما تعج الجامعة بالدكاترة المتمرسين وذوي التجربة الطويلة".

أكاديمي بـ"هوى طالباني"

بعد نحو شهر على هذا الاختيار، تراجعت حكومة طالبان، وأعلنت إقالة رئيس الجامعة "الصحفي"، واختيار الدكتور أسامة عزيز لرئاسة الجامعة، وبدأ عمله رسميا، أول أمس الأربعاء، بعد تقديمه للأساتذة والطلاب.

يحمل الرئيس الجديد لجامعة كابل، درجة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية من جامعة إسلام آباد الإسلامية العالمية، والماجستير في قانون الأعمال الإسلامي، ودكتوراه في الفقه والقانون، من الجامعة نفسها.

يقول أساتذة في جامعة كابل، إن معيار "موالاة طالبان" أو الانتماء لها، يبدو حاضرا في اختيار رئيس الجامعة الجديد "ذي الهوى الطالباني"، لكن "أن تختار شخصا يحمل صفة أكاديمية ولديه شهادات عليا وتجربة، خير من تعيين صحفي لمجرد انتمائه أو موالاته للحركة"، يقول أحدهم.

وبهذا الاختيار انتهت أزمة عصيبة عاشتها جامعة كابل، وحاولت وزارة التعليم العالي التابعة لطالبان احتواءها، وهي الوزارة التي يقودها عبد الباقي حقاني؛ وهو شيخ دين محافظ.

أخبار ذات صلة

طالبان تنكث وعودها.."الذكور فقط" يعودون للمدارس
طالبان تحدد موقفها من "اختلاط الرجال بالنساء في العمل"
أفغانستان.. طالبان تفرض قواعد جديدة لتعليم النساء بالجامعات

 أوضاع مزرية.. وصلت لارتداء الأكفان

يتجاوز عدد الجامعات ومؤسسات التعليم العالي في أفغانستان، الثمانين، وما زال معظمها مغلقا حتى الآن، بسبب "عدم توفر البيئة المناسبة بعد" كما تقول حكومة طالبان، التي تعد بإعادة فتحها قريبا.

لكن تبدو الأوضاع الاقتصادية والنفسية للأساتذة الجامعيين سيئة، مع استمرار العمل دون رواتب، فضلا عن صعوبة الظروف في بلد يشهد تحولا كبيرا تتخلله أزمة اقتصادية.

بلغ الأمر بأحد أساتذة الجامعة، التظاهر في شوارع كابل مع أفراد عائلته مرتدين الأكفان، ورافعين شعارات للتعبير عن الوضع الذي يعيشونه.

فيما انتشرت صورة لأحد أساتذة الجامعة، وقد حولته الظروف إلى بائع خضار على عربة في شوارع كابل. وهو حال لا يعكس ما يعانيه الأكاديميون فحسب، بل تتجلى فيه حالة بلد يعيش منعطفا حاسما، بعد عقود من الاضطراب.