تكافح الدول الأفريقية من أجل الخروج من تحت وطأة تداعيات جائحة كورونا؛ عبر سياسات واستراتيجيات مختلفة تتبعها دول القارة من أجل التعافي، تحدوها جملة من العقبات والتحديات، لا سيما في ظل حالة الغموض التي تكتنف تحديد التداعيات الاقتصادية للوباء بشكل دقيق، ومع تواصل عدّاد الإصابات والوفيات.
دفعت دول القارة الأفريقية فاتورة باهظة لـ "كوفيد-19"، ويُنظر إليها باعتبارها "الأكثر تأثراً بتداعيات الجائحة"، وفق تعبير وزيرة التعاون الدولي في مصر رانيا المشاط، والتي ذكرت خلال مشاركتها ضمن فعاليات قمة منتدى الرؤساء التنفيذيين الأفارقة، أن اعتماد دول القارة على الواردات الخارجية، لا سيما فيما يتعلق بالواردات الطبية والسلع، جعلها الأكثر تأثراً مع التدابير الحمائية التي تم اتخاذها حول العالم للحد من انتشار كورونا.
ومن غير الواضح بشكل دقيق حجم تكلفة التعافي بالنسبة لدول القارة على الصعد كافة، بينما لا تزال التداعيات مستمرة مع استمرار الجائحة.
غير أن ثمة تقديرات للتعافي الاقتصادي، وكذا تقديرات للتعافي الشامل بما في ذلك التعافي الصحي والتعافي من آثار المتغيرات السياسية بعديد من دول القارة، صادرة عن منظمات إقليمية ودولية قدّمت رؤى لمستقبل الوضع في القارة وسيناريوهات التعافي والانتعاش.
فجوة تمويلية
أحدث تلك التقديرات، صادرة عن "الأونكتاد"، مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، وقد أشارت إليها وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، هالة السعيد، خلال كلمتها في قمة قادة الاستثمار العالميين. وذكرت أن القارة السمراء بحاجة إلى نحو 154 مليار دولار للتعافي الاقتصادي "ذلك بالإضافة إلى فجوة تمويل أهداف التنمية المستدامة السنوية في أفريقيا والتي تبلغ 200 مليار دولار"، وذلك بعد أن ألقت الجائحة بثقلها على كاهل دول القارة.
ويقول الخبير الاقتصادي سيد خضر، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن اقتصادات عديد من دول القارة السمراء لا تحتاج فقط للتعافي من تداعيات كورونا، إنما أيضاً التعافي من أثر ما شهدته وتشهده بعض تلك الدول من متغيرات سياسية عميقة كانت لها انعكاسات كبيرة وواضحة على البلد في جميع القطاعات، وتُرجم ذلك بشكل مباشر على الاقتصاد، على سبيل المثال دولة مثل ليبيا والتي شهدت انهياراً في البنية التحتية ولديها احتياجات واسعة.
ويلفت إلى أن تعمق الأزمة في تلك الدول بسبب تداعيات كورونا الشديدة، يتطلب حلولاً مجتمعية وصحية واقتصادية وسياسية معاً، لجهة أولاً توفير اللقاحات والتوسع في حملات التطعيم في مختلف دول القارة، على اعتبار أن ذلك البوابة الأولى من أجل التعافي، وكذلك اتباع استراتيجيات اقتصادية خاصة للخروج من تلك الحالة، مشيراً إلى أن الفترة المقبلة ستشهد تطوراً في الرؤى والاستراتيجيات الوطنية داخل دول القارة لجذب مزيد من الاستثمارات بشكل ضخم في قطاعات مختلفة، نظراً لاحتياجات هذه الدول، وما أظهرته الجائحة بخصوص تلك الاحتياجات.
وتخطى إجمالي عدد الإصابات بفيروس كورونا، المسبب لوباء كوفيد-19، في قارة أفريقيا حاجز 8 ملايين شخص، بحسب إحصاءات المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، التابعة للاتحاد الأفريقي، وبلغ عدد الوفيات أكثر من 215 ألفاً.
يشار إلى دول جنوب أفريقيا والمغرب وتونس وإثيوبيا تعد من أكثر الدول لجهة عدد الإصابات.
كلفة ضخمة
صندوق النقد الدولي بدوره، قدّر، في أكتوبر الماضي، كلفة تعافي أفريقيا صحياً واقتصادياً بحوالي 1.2 تريليون دولار "على مدار السنوات الثلاث حتى العام 2023"، وذلك طبقاً لتصريحات مديرة الصندوق كريستالينا غورغييفا، خلال اجتماع عبر الإنترنت مع مسؤولي الصندوق، شددت خلاله على أن العالم يتعين عليه تقديم المزيد من الدعم لأفريقيا من أجل التعافي.
وبالعودة لحديث خضر، فإنه يشير إلى أن القارة الأفريقية لديها موار طبيعية هائلة غير مستغلة الاستغلال الأمثل، وتعتبر أرضاً خصبة جاذبة للاستثمارات في شتى المجالات، لا سيما في قطاعات البنية التحتية والاتصالات والتحول الرقمي، إضافة إلى خدمات التنمية المجتمعية، بما في ذلك الصحة والبيئة والتكنولوجيا.
ويردف الخبير الاقتصادي قائلاً: "يضمن التوسع في الحصول على اللقاحات عودة الحياة تدريجياً إلى طبيعتها، بما يشهده ذلك من انعكاسات كبيرة على التعافي الاقتصادي وعودة كامل الانشطة التجارية وحركة الطيران وقطاعات مهمة للغاية بالنسبة للقارة مثل قطاع السياحة وقطاع الصناعة، وهو ما يعيد أفريقيا -لا سيما الدول التي حققت نسب نمو مناسبة- إلى مستويات ما قبل الجائحة، مع ضرورة العمل على التعامل مع أثر المتغيرات والتقلبات السياسية التي حدثت في بعض تلك الدول شكل خاص".
ويعتبر أن تلك المتغيرات تشكل تحديات كبيرة أمام دول القارة.