"حالة من عدم اليقين يعيشها العالم" وسط تراشقات روسيا وحلف الناتو، ما بين تهديدات بالتصعيد ومحاولات تهدئة، مما أفرز سيناريوهات متضاربة عن شكل العالم غدا، هل يعود لعصر المعسكرين، أم يصبح متعدد الأقطاب، أو تتشكل قوة عدم انحياز في قلب أوروبا.

وأعلن الناتو، الأربعاء الماضي، تقليص عدد الأعضاء المعتمدين للبعثة الدبلوماسية الروسية لديه من 20 إلى 10 أشخاص، وطرد 8 روس بتهمة أنهم ضباط استخبارات متخفيين.

وعلى الفور أبدت روسيا استياءها فأعلن نائب وزير الخارجية، ألكسندر غروشكو، أن طرد الناتو لدبلوماسيين روس يبطل تصريحاته السابقة عن تطبيع العلاقات، وأنه اليوم لم يعد أحد يصدق الناتو.

في المقابل، اتجهت تصريحات الأمين العام للناتو ينس ستولتنبيرغ نحو التهدئة مع روسيا تجنبا لعودة الحرب الباردة (1947- 1991) وسباق التسلح، فأعرب عن قناعته بأهمية التواصل مع موسكو، والحفاظ على العلاقات التي انخفضت لأدنى حد.

اهتزاز استراتيجية الناتو

ويفسر الخبير الاستراتيجي العميد سمير راغب، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، سبب تناقض تصريحات أعضاء الناتو بأن "ما نشهده من مسؤولي الحلف هو ترجمة لحالة الصراع القائم بين الاحتفاظ بالمبادئ التي تأسس عليها الناتو، وهي العداء لروسيا، وميل بعض الأعضاء من الدول الأوروبية لبناء علاقات مع روسيا والتخلي عن العداوة المطلقة معها".

ويشرح راغب انقسام مواقف دول أوروبا سياسيا نحو روسيا تبعا لموقعهم منها جغرافيا، فدول شرق أوروبا مثل بولندا وليتوانيا تتفق مع سياسة أميركا في عداء الروس، وتتجه سياسة جنوب أوروبا مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا لتجاوز الأزمة مع الروس، كما يتضح في قول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بضرورة تخطي العداء مع موسكو، بينما تعتبر دول غرب أوروبا بعيدة عن المواجهة وموقف الفريقين.

الانعتاق من واشنطن

وبعد أن خسر الناتو تركيا كخط دفاع ضد موسكو بانخراطها في صفقات تسلح معها، طرحت باريس وبرلين فكرة توفير قوة دفاع أوروبية غير مرتبطة بسياسة واشنطن ضد موسكو، بحسب راغب.

ولفت إلى أن هذا يثير تخوف واشنطن من تكوين أوروبا قوة منافسة منفتحة على الصين وروسيا؛ لذا تفرض قيود لتحجيم العلاقة الأوروبية– الروسية.

أخبار ذات صلة

بعد "هدنة مؤقتة".. التوتر يخيم مجددا على علاقة روسيا والناتو
"الناتو" يطرد 8 أعضاء من البعثة الروسية وموسكو تحذر

العالم غدا؟

تشير التحركات في منطقة المحيط الهادي بتحالف "أوكوس" الذي تقوده واشنطن وصفقة الغواصات مع أستراليا، وأزمة الصين وتايوان، والمناورات الأميركية– اليابانية، والتدخل الروسي في القرم، إلى احتمالين، الأول هو تشكيل عالم جديد متعدد الأقطاب، والثاني تكوين عالم متصارع بأقطاب متصارعة، بحسب راغب.

ويؤكد الخبير الاستراتيجي على أن العالم "لن يبقى رهن استراتيجية واشنطن".

وعن احتمالية تكون تحالفات جديدة، يتوقع إعادة تكوين التحالفات بناء على نتائج الحرب في أفغانستان وسوريا والعراق، حيث يتشكل معسكر الشرق (الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران وربما باكستان) ومعسكر الغرب بقيادة أميركا التي تنضم لها أستراليا والهند لخلافها الحدودي مع الصين.

عودة روح عدم الانحياز

ويتوقع أن يشهد معسكر الغرب تغيرات بقيادة ألمانيا بتأسيسها معسكر عدم الانحياز، وتشكيل فرنسا كيانا أوروبيا يبدأ بتوجه عدم الانحياز، ثم ينطلق إلى توطيد العلاقات مع معسكر الشرق في مجال الأسلحة.

وعدم الانحياز سياسة شهيرة تبنتها مصر والهند وإندونيسيا في مؤتمر باندونج الشهير 1955، معلنين عبرها عدم التبعية ولا العداء لا للاتحاد السوفيتي ولا للولايات المتحدة، وأن سياستهم ستكون وفق المصالح المشتركة الساعية لتقليل فرص الحرب.

وعلى حد وصف راغب، فإن "العالم يعيش حالة عدم اليقين" لاستمرار التصعيد وعدم وضوح إستراتيجية أطراف الصراع.