بعد تراكم التقارير الأمنية الأوربية المُحذرة من خطر انتشار المراكز والمؤسسات والمنظمات التي يُديرها التنظيم العالمي لحركة الإخوان في مُختلف الدول الأوربية، مستغلاً ثغرات قانونية وتشريعية وسياسية في بُنى مؤسسات هذه الدول، فإن السُلطات الفرنسية تستعد للتطبيق الحازم لتشريع "قانون احترام الجمهورية".
وكانت فرنسا أقرت القانون الذي يُعرف في الأوساط السياسية والشعبية الفرنسية بـ"قانون محاربة الانفصالية"، قاصداً مناهضة تنظيمات الإسلام السياسي التي تُريد الاستحواذ والسيطرة على جزء من الجاليات والمُجتمعات الفرنسية المُسلمة، لتُخرجهم عن نطاق القوانين والحياة العامة الفرنسية وضوابطها وفضاءها العام.
وفي شهر أكتوبر 2020، أعلن الرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون، في خطاب شهير في مدينة مورو الفرنسية عن نية فرنسا إقرار قانون رادع لظواهر وأدوار تنظيمات الإسلام السياسي في فرنسا، واستمرت النقاشات البرلمانية الفرنسية لعام كامل، إلى أن أُقر القانون المذكور.
وقد كانت فرنسا قد شهدت سلسلة من الأحداث العنيفة التي هزت فرنسا طوال الفترة الماضية، من الهجوم الإرهابي على المقاهي والمسارح، مروراً بحادثة الهجوم على مقر صحيفة شارلي أيبدو، وليس انتهاء بجريمة اغتيال المُدرس الفرنسي صموئيل باتي. حيث في جميع هذه الأحداث، استنتج المُراقبون الفرنسيون الدور الرئيسي الذي كانت تلعبه تنظيمات الإسلام السياسي في الدفع بخطابات الكراهية والانعزال، كانت ذات فاعلية في التحريض على مثل تلك الأعمال.
أهم مضامين قانون "احترام الجمهورية" تذهب للتشديد على "حياد الخدمات العامة"، أي أن كُل مؤسسة أو منظمة أو جهة عامة فرنسية، سواء أكانت حكومية أو مدنية، فأنها مُجبرة على تقديم خدماتها لمجمل المواطنين الفرنسيين، أياً كانت مُعتقداتهم وهوياتهم وخصائصهم، دون أي تمييز بينهم. مضيفة إن أية جهة تمايز بين مختلف المواطنين الفرنسيين في بُنيتها التنظيمية أو خدماتها، أنما قد يُعرض صاحبها للمعاقبة بالسجن، وأحياناً كجهات تتبنى الإرهاب.
المضمون الأساسي هذا في القانون جاء بعد تحليل صارم لأدوات عمل المؤسسات الإخوانية في فرنسا طوال عقود، حيث كانت تسعى للاستفراد بجزء أو قطاع من المواطنين الفرنسي على أساس مُعتقداتهم الدينية، ودفعهم للشعور بالمظلومية تجاه باقي أفراد المُجتمع الفرنسي، وتالياً خلق شقاق وطني ومجتمعي.
كذلك فأن القانون الفرنسي يفرض على كافة التنظيمات المدنية في البلاد، من مراكز وجمعيات وتعاونيات للتوقيع على تعهد باحترام القيم العلمانية والمبادئ الجمهورية في فرنسا، وأن يكون ذلك التعهد الأساس الذي تستطيع تلك الجهات عبره الحصول على المنافع العامة وتمويل الصناديق والتسهيلات الحكومية.
المحامي والباحث الفرنسي رودي أوسان شرح في حديث مع سكاي نيوز عربية البند الأبرز في القانون الجديد، والقاضي بالتميز بين حُرية الرأي المُكرسة في فرنسا، وبين الخطابات الساعية لنشر الكراهية والعُنف "على الدوام كانت التنظيمات الإسلامية في فرنسا، المباشرة منها أو المُقنعة، كانت تستغل تفاصيل الحُريات العامة والإعلامية في فرنسا لنشر مضامين مناهضة لروح الحُرية والديمقراطية نفسها. والقانون الحالي يكبح ذلك تماماً، أياً كان مروج تلك الأقوال، حتى لو كان إعلامياً أو حتى قاصراً في العُمر".
يُضيف أوسان في حديثه مع سكاي نيوز عربية "الأمر نفسه صار ينطبق على التعليم. فتنظيمات الإسلام السياسي كانت تستغل الاستقلال النسبي للمدارس الخاصة لتروج أفكارها وأيديولوجيتها، وهو أمر لم يعد مسموحاً بتاتاً، فالمدارس الخاصة صارت مُلزمة بالالتزام بالقيم والقوانين العُليا للدولة الفرنسية، بالذات في العلاقة المتساوية بين الذكور والإناث".
كذلك فأن القانون الفرنسي صار يعاقب بصرامة كُل جهة تستغل دور العبادة لتنظيم اجتماعات سياسية أو الترويج لأفكار سياسية أو استخدامها في الحملات الانتخابية، سواء أكانت لأحداث تجري داخل فرنسا أو خارجها.
ويُعتبر هذا البند من القانون مُكملاً للمراقبة المالية المُشددة التي ستفرضه السُلطات الفرنسية على مختلف التنظيمات المدنية والشعبية والأهلية، بغية المعرفة الدقيقة لمصادر تمويلهم وآليات صرفها داخل فرنسا وخارجها.