بينما تتحول أحوال النساء بأفغانستان إلى مادة نقاش رئيسية للمتابعين، بما في ذلك منع النساء من مزاولة العمل، أو متابعة دراستهن بالمرحلة الثانوية، فإن مصير 250 قاضية يبدو غامضاً، ممن كُن يعملن بوزارة العدل في ظلال الحكومة السابقة، حيث لم تزاول أي منهن وظيفتها منذ قرابة الشهرين، بعدما نجحت العشرات منهن من الفرار إلى خارج أفغانستان.
عزيزة بياندوري واحدة من القاضيات الأفغانيات هؤلاء، حيث كانت قاضية في المحكمة المدنية في مدينة مزار شريف، وتقيم الآن في مدينة دوشنبه، عاصمة جمهورية طاجكستان، لكنها تنتظر بعض أفراد عائلتها، ليجتمعوا جميعاً، ويتقدموا بطلب لجوء إلى واحدة من الدول الأوربية.
تشرح بياندوري في حديث مع سكاي نيوز عربية أحوال العشرات من القاضيات الأفغانيات السابقات راهناً "بالرغم منه ليس من أي قرار مضاد لنا، خلا توقيفنا عن العمل، إلا أنه ثمة مجهول ما نخشى منه. كبار قادة حركة طالبان الذين أصدرنا أحاكماً قضائية ضدهم في فترات سابقة طوال عقدين سابقين، المجرمون وتجار المخدرات وزعماء القبائل الذين كانوا يعتبرون عملنا مناهضاً لأعمالهم، والكثير من المتسلطين الجدد الذين أصبحوا أصحاب القرار والسلطة راهناً. فكل هؤلاء يتوعدون القاضيات بالانتقام، وثمة العشرات من الحوادث التي تقول إنهم يبحثون عنا".
تتابع بياندوري حديثها قائلة "حينما كان مقاتلو حركة طالبان يقتربون من مدينة مزار شريف، تواريت مع زوجي وواحد من أبنائي في القرى الشمالية القريبة، ثم وصلنا إلى طاجكستان بعد أربعة أيام عن طريق مهربين محليين، تنازلت مقابل ذلك عن منزلنا في المدينة. لكن المشكلة كانت إن أثنين من أبنائي كانوا وقتئذ في العاصمة كابل لأجل الدراسة، وهم ما يزالون داخل أفغانستان، وننتظر وصولهم إلى طاجكستان".
مفوضة الأمم المُتحدة السامية لمجلس حقوق الإنسان ميشيل باشليت ذكرت في تصريحات إعلامية ما أسمته "الملاحقات الناتجة عن الادعاءات"، مضيفة إن المعلومات المتوفرة لدى المجلس أنما تؤكد إن "إن حركة طالبان تتنقل من باب إلى باب، وتبحث عن مسؤولين حكوميين معينين وأشخاص تعاونوا مع الولايات المتحدة"، مضيفة أن النساء في قطاعات العمل والمشاركة أكثر من تتعرضن لتلك الأشكال من المتابعة والعقاب "إن النساء يُستبعدن تدريجياً من المجال العام ويواجهن قيوداً متزايدة في العديد من القطاعات المهنية، تحديداً ذوات الفاعلية والسلطة، مثل القاضيات".
المتابعون للشأن الأفغاني ذكروا بالأوامر التنفيذية "الجائرة والمهينة" التي أصدرها الرئيس الجديد لبلدية العاصمة كابل حمد الله نعماني بحقوق النساء، إذ بعدما رفض عودة قرابة ألف موظفة للعمل الإداري في البلدية، أشار إلى أنه ثمة أعمال خاصة يُمكن للنساء العمل بها، مثل "المراحيض"، حسب تعبيره، الذي أشار المراقبون إلى أنه نموذج عن السلوكيات التي تُنفذ على أرض الواقع بحق النساء، أياً كانت التطمينات الشفهية بحقهن.
الباحثة والناشطة الأفغانية في اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان، روجهال خماداري، شرحت في حديث مع موقع سكاي نيوز عربية المتوفرة للجنة بشأن القاضيات الأفغانيات "تُشير معطياتنا إن قرابة ثُلث القاضيات السابقات أصحب خارج أفغانستان، وأن الباقيات أغلبهن في العاصمة كابل، التي كانت تضم مؤسساتها القضائية أكثر من 170 قاضية، منهن من كُن في محكمة النقض العُليا. كل هؤلاء متواريات، وأغلبهن بحماية عائلاتهن الكبيرة".
تضيف خماداري "ثمة اتصالات ووساطات مع حركة طالبان بشأن حماية القاضيات الباقيات داخل البلاد. حيث تقود دولة النرويج هذه الجهود على مستوى العالم. لكن حتى لو قدمت الحركة تلك الضمانات، فأن الثأر الاجتماعي والعصاباتي منهن قد يكون أكبر من أي تعهد".
وكانت الرابطة العالمية للقضاة IAWJ قد صرحت إنها على استعداد لخلق ممرات آمنة للقاضيات الأفغانيات وعائلاتهم للخروج من أفغانستان إلى دول أخرى. وهو أمر رفضه الناشطون الأفغان، لأنهم اعتبروه بمثابة تنازل وإخراج للطاقات البشرية الفاعلة من أفغانستان، وقد يجر خطوات أخرى لإخراج القضاة المدنيين "الذكور" في مرحلة لاحقة، وربما الأساتذة الجامعيين والصحافيين والتُجار.. وهكذا.