أقدمت أستراليا في الخامس عشر من سبتمبر الجاري، على إلغاء "عقد القرن" الذي أبرمته في عام 2016 مع فرنسا، بعد تراجعها عن صفقة مع مجموعة "نافال غروب" الفرنسية للصناعات الدفاعية، من أجل شراء 12 غواصة تقليدية تعمل بالديزل والكهرباء ب 56 مليار دولار.

وتراجعت أستراليا عن العقد مع فرنسا، لصالح شراكة أبرمتها مع الولايات المتحدة وبريطانيا، للحصول على غواصات تعمل بالطاقة النووية، في قرار أثار غضب الحكومة الفرنسية.

وقررت باريس استدعاء سفيريها في الولايات المتحدة وأستراليا للتشاور، كما ألغت السلطات الفرنسية حفل استقبال كان مقررا، يوم الجمعة الماضي، في واشنطن بمناسبة ذكرى معركة بحرية حاسمة في حرب الاستقلال الأميركية انتهت بانتصار الأسطول الفرنسي على الأسطول البريطاني في الخامس سبتمبر 1781.

فرنسا تدعو الأوروبيين لإعادة التفكير بالتحالفات القديمة

 

وتثار تساؤلات في الوقت الحالي حول ما إذا كانت فرنسا ستكتفي بهذا الرد على هذا الإلغاء المفاجئ، أم إنها ستذهب إلى أبعد من ذلك، ثم أي خيارات تملكها باريس في حال قررت التصعيد مع الحليف الأميركي؟

غضب مشروع

يرى رئيس المعهد الأوروبي للأمن والاستشراق، إيمانويل ديبوي، أن الأمر يتعلق بـ "غضب مشروع" و"تحرك ذكي" من جانب باريس، لأن القرار "اتحذ بشكل أحادي وبدون مشاورات مسبقة، وذلك على حساب الشراكة الاستراتيجية مع أستراليا والأرباح التجارية لفرنسا".

ويضيف في تصريحه لموقع سكاي نيوز عربية، "يجب ألا ننسى أن هذه الصفقة لم تكن تجارية فقط، بل كانت تعاونا عسكريا يدخل في إطار العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، التي تمتد لأكثر من 50 سنة. إلا أن الطرف الأسترالي اختار إلى جانب الطرف الأميركي أن يوقع فرنسا في الفخ فحولا الربح كاملا لصالح شركاتهم".

ويتابع رئيس المعهد الأوروبي للأمن والاستشراق، "هي صفعة تجارية ودبلوماسية كذلك، لأنه لم تستبعد فرنسا من صفقة الغواصات فقط، بل من اتفاقية "أوكوس" التي تجمع أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة من أجل مواجهة الصين، مما يعني في الواقع تهميش فرنسا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ على الصعيدين التجاري والعسكري".

أزمة الغواصات.. وتضامن أوروبي مع فرنسا

 

على صعيد آخر، يعتبر أن التعويض المالي الذي أعلن عنه من قبل الأستراليين ويقدر بـ250 مليون دولار "ليس كافيا" ولن تقبل به فرنسا أمام الطعنة الكبيرة التي تلقتها والخسائر المادية التي تكبدتها. خصوصا أن هذا الإلغاء يمس سوق الشغل، فبحسب قوله، "كانت الصفقة ستخلق أكثر من 500 منصب عمل بموجب العقد في أستراليا".

وخلافا لما يروج حول إقدام فرنسا على الانسحاب من حلف شمال أطلسي بسبب الخطوة الأسترالية، يعتبر ديبوي أنه "أمر مستحيل"، باعتبار أن الحلف مكون من 28 دولة أوروبية إلى جانب كندا والولايات المتحدة. وبالتالي، "فهو حلف أصبح حاليا قريبا من توجهات فرنسا بعيدا عن توجهات واشنطن، التي تسعى بقوة إلى إيقاف الزحف الصيني".

وأردف الباحث "لأن حلف شمالي الأطلسي لا يريد أن يغير من روحه التي أقيم من أجلها والمتمثلة أساسا في خلق توازن بين الشرق والغرب، اتجهت واشنطن نحو تحالفات جديدة، مثل إنشاء التحالف الرباعي "كواد" الذي يجمع الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا".

وزن الاتحاد الأوروبي

من جانبه، يؤكد المحلل السياسي ستيفان زومستينغ لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "فرنسا بعد تعبيرها عن الغضب ليس بوسعها الكثير أمام الولايات المتحدة الأميركية. لكنها قد تكون فرصة لحشد تعاطف بعض دول الاتحاد الأوروبي وتحريك أخرى دبلوماسيا كألمانيا مع تحذيرهم من أن الاتحاد قل وزنه الدولي".

وفي سياق آخر، يرى أن فرنسا لم تقرأ ما بين السطور جيدا، لأن عناوين الصحافة الأسترالية تناولت موضوع الصفقة مرارا. وبحسب جريدة "لوبنيون" الفرنسية، فقد نشرت صحيفة "سيدني مورنينغ هيرالد" في الثاني من يونيو مقالا بعنوان "وزارة الدفاع تبحث عن بدائل للغواصات الفرنسية".

أخبار ذات صلة

البيت الأبيض: هذا ما سيدور بين بايدن وماكرون بعد "الأزمة"

وفي فبراير 2021، سافر الرئيس التنفيذي لمجموعة نافال، بيير إريك بومليه إلى أستراليا، ووافق على قضاء أسبوعين من الحجر في غرفته بالفندق، للتمكن من مقابلة المسؤولين الأستراليين بعد تداول فكرة عدم رضاهم عن التقدم البطيء في المشروع الفرنسي الأسترالي. لكن فرنسا انتظرت تحذيرا رسميا".

وفي ظل المطالبة بتوضيحات وتعويض مادي وديبلوماسي، من المقرر في الأيام المقبلة أن يجري الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الأمريكي جو بايدن محادثة هاتفية. كما ستعقد لجنة استثنائية في مجموعة نافال في 22 سبتمبر لتحديد تأثير هذا الإلغاء على سوق الشغل والغرامات التي سيتعين على الحكومة الأسترالية دفعها.