باتت إيران في وضع يجبرها على تغيير سياستها تجاه حركة طالبان، التي سيطرت الشهر الماضي على أفغانستان، خاصة مع تسارع الأحداث وحدوث انقلابات استراتيجية لم تكن في الحسبان، بحسب ما يرى مراقبون.
وكانت حركة طالبان قد أعلنت قبل أيام أنها حسمت المعركة في وادي بانشير، آخر بقعة تسيطر عليها المعارضة في أفغانستان، وكانت إيران تعول على الوادي لكي تدخل منه إلى تفاصيل الصراعات الأفغانية.
ومعركة السيطرة على الوادي أظهرت وجود تعاون بين باكستان مع طالبان، على العكس من المشاورات السياسية الثنائية السابقة بين الدولتين، إذ اتفقتا في السابق على التنسيق فيما بينهما، وهو ما لم يحدث.
انتقادات غير معهودة
ودفع هذا الأمر بالخارجية الإيرانية إلى توجيه انتقادات مباشرة لموقف إسلام آباد، أما الحدث الثالث فتمثل بإعلان حركة طالبان لتشكيلة الحكومة الأفغانية الجديدة، التي لم تُشرك أية شخصية محسوبة على إيران، ولا سيما أقلية الهزارة.
وإزاء هذه التطورات الكبيرة في أفغانستان، باتت الجارة إيران مطالبة باتباع سياسة جديدة، وفق مراقبين أشاروا إلى أن تنظيم "فاطميون" الأفغاني الموالي لإيران، والتحالف الاستراتيجي مع روسيا، على رأس الأدوات المتوفرة.
وبحسب جون ألترمان، الباحث مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "لواء فاطميون (الأفغاني/الشيعي) الذي كان واحدا من نتائج التدفق السابق للمهاجرين الأفغان إلى إيران في الثمانينيات والتسعينيات، حيث أنشأت إيران هذا اللواء، الذي قاتل في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط، نيابة عن الإيرانيين".
وتابع: "ثمة احتمال بأن تحاول إيران إعادة بعض هؤلاء المقاتلين الأفغان الخاضعين للقيادة الإيرانية إلى أفغانستان، حيث توجد معركة للسيطرة على الدولة الأفغانية".
وكانت إيران خلال فترة الصراع الأهلي الأفغاني في تسعينيات القرن المنصرم تدعم تحالف الشمال، التي كانت مجموعة الهزارة العرقية واحدة من تكويناتها الرئيسية، ومنها تشكل "لواء فاطميون".
لكن إيران بعد العام 2001، عقب الاحتلال الأميركي لأفغانستان، عادت لاحتواء حركة طالبان والتعامل معها بشكل غير مُعلن، وذلك لإنشاء ضغط سياسي وأمني على الوجود الأميركي هناك.
الميليشيات السلاح الجديد
الباحث في مركز "صوفان"، كولين كلارك، يضيف في تعليق على نفس المسار "هناك بعض المسؤولين الحكوميين الإيرانيين فكروا علانية فيما سيفعلونه بكتائب لواء فاطميون. فهذه الشبكة من المقاتلين الأجانب، وبمجرد أن تنتهي سوريا، لن يعودوا إلى ديارهم ويصبحوا خبازين وميكانيكيين ومعلمين".
وتابع: "هذه الفصائل الآن هي أداة جديدة تستخدمها إيران في المنطقة. إنها مجرد خيار آخر لإيران لتسيير سياستها الخارجية والأمنية، في الحالة التي تشعر فيها بأنها مهددة حقاً بما يحدث في أفغانستان".
سياسياً، ترى إيران نفسها منقسمة بين نوعين من القوى الساعية للتعامل مع حركة طالبان، فمن جهة تسعى باكستان للانخراط الأمني والعسكري مع الحركة، بُغية إنشاء نوع من النفوذ التقليدي الذي كان لباكستان هناك في التسعينيات من القرن المنصرم.
وعلى الدفة الأخرى ثمة الصين التي تجري حوارا مع حركة طالبان، حيث تعتبر بكين الخروج الأميركي من أفغانستان بمثابة فتح لممرها التجاري البري نحو الشرق الأوسط والبحر المتوسط.
ولم تكن إيران تتوقع هذه السيطرة السريعة لحركة طالبان على أفغانستان، فكانت من جهة تريد الحفاظ على حكومة أفغانية هشة، وثم حاولت تأسيس تعاون إقليمي لاحتواء حركة طالبان، خصوصا مع باكستان، لكن الأمرين لم ينجحا.
مخاوف إيرانية
الباحثة والكاتبة نازدار شُكري، شرحت في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية" التردد الإيراني بين المستويين من النفوذ في أفغانستان.
وقالت: "في وقت ترى فيه إيران حركة طالبان واقعا لا مفر منه، فإنها تخشى من مستقبل تطور الحركة وعلاقتها مع الجماعات البلوشية المتمردة شرق إيران، لذلك تريد مزاحمة ما لباكستان في النفوذ العسكري. وصحيح إن إيران ذات علاقة اقتصادية استراتيجية مع الصين، إلا أنها لا تثق بقدرة الصين على ضبط وتطويع حركة طالبان سياسياً عبر المصالح المالية، وتخشى أن يدخل ذلك في خدمة الحركة".
وتضيف شكري "في المحصلة، لإيران مخاوف شديدة من أفغانستان، ولا ترى في معظم الطيف الجيوسياسي المحيط بأفغانستان إلا روسيا كشريك وثيق، لأن هذه الأخيرة تطابق إيران في مخاوفها الأمنية مما قد يتدفق من أفغانستان في المستقبل البعيد. وكذلك هي مثل إيران تُجيد اللعب على الحساسيات الأهلية الأفغانية، وتستطيع الدخول عبرها إلى نسيج المعادلة الداخلية الأفغانية".