بينما أعلن المتحدث باسم طالبان التشكيلة الحكومية الأولى بعد سيطرة الحركة على البلاد، التي اعتبرها حكومة لتصريف الأعمال، فإن ملامحها العامة تُشير إلى أنها مركزية، كُل وزرائها أعضاء في طالبان نفسها، أو مقربون منها، وأغلبهم من منطقة قندهار التي كانت المنبت التاريخي للحركة.
هذا إلى جانب خلوها من أية امرأة أو شخصية مهنية. على عكس الكثير من الوعود السابقة التي قطعتها الحركة، من حيث أن حكومتها ستكون تمثيلية وشاملة لكل البلاد.
الحكومة الجديدة تألفت من 22 وزارة، بالإضافة لرئيس الوزراء، تألفت بالأساس من رجال الدين والمقاتلين، بما في ذلك الوزارات الاختصاصية. كما حملت الكثير من علامات العلاقات الشخصية والعائلية لمقربين من زعيم الحركة.
رئيس الحكومة الجديد، الملا محمد حسن، الذي كان يشغل منصب رئيس "هيئة صُنع القرار" في الحركة منذ أكثر من عشرين عاماً، والتي كانت بمثابة أعلى مؤسسة في الهرم التنظيمي للحركة، وهو ينحدر من مدينة قندهار ومن مؤسسي الحركة، إلى جانب قُربه الشخصي من زعيم الحركة هبة الله زاده.
كان معروفاً عن الملا محمد حسن أنه من الشخصيات النادرة ضمن الحركة التي لم تخض أي عمل مُسلح، بل كان يعمل كُمنظر عقائدي وسياسي للحركة.
وقد كانت الحادثة الأكثر بروزاً في حياة الملا محمد حسن هو عقده لاجتماع موسع في العاصمة الأفغانية كابول عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، حيث كانت كابول تحت سيطرة الحركة وقتئذ، وذلك لتقرير مصير زعيم تنظيم القاعد إسامة بن لادن. حيث أعلن الملا محمد حسن وقتئذ "إن كان في وسع الولايات المتحدة تزويدنا بأدلة ضده، فسوف نعاقبه هنا أو نسلمه".
أما نائب رئيس الحكومة، الملا عبد الغني برادر، والذي يُعتبر من أكثر الشخصيات السياسية اعتدالاً ضمن الحركة، فإنه يُعتبر قائد الحركة الدبلوماسية والسياسية في الخارج، حيث بقي خارج أفغانستان لأكثر من عشرين عاماً، وقالت أنباء متطابقة إن الولايات المُتحدة ضغط على الحكومة الباكستانية عام 2018 لأطلاق سراحه، حيث كان مُعتقلاً، وذلك للاستفادة من ميوله المُعتدلة للتأثير على خيارات الحركة.
الملا برادر بدوره ولد في جنوب أفغانستان ونشأ في مدينة قندهار، وهو من مؤسسي حركة طالبان، إلى جانب أخ زوجته الزعيم المؤسس المُلا عُمر. وأصبح وزيراً للدفاع خلال سنوات حُكم حركة طالبان لأغلب مناطق أفغانستان (1996-2001). كذلك كان برادر واحداً من أقوى المفاوضين الأفغان للولايات المُتحدة طوال السنوات الماضية.
أما مولوي مجدي يعقوب، المُعين كوزير للدفاع في الحكومة الجديدة، فإن نجل الزعيم المؤسس للحركة الملا عُمر. وبالرُغم من كونه كان مُرشحاً لزعامة الحركة منذ سنوات، إلا أن صُغر سنه حال دون ذلك (عمره ثلاثين عاماً الآن)، لكن بدأ بالصعود في مناصب الحركة منذ قرابة عشرة سنوات، إلى أن تم تعينه خلال العام 2018 رئيساً للجنة العسكرية لحركة طالبان في أفغانستان.
أكمل مولوي يعقوب دراسته في مدينة كراتشي الباكستانية، وتقول المعلومات الاستخباراتية إنه ثمة مزاحمة ما بينه وبين "زوج عمته" الملا عبد الغني برادر، وعمه. فحينما تم تعيين مولوي في رئاسة اللجنة العسكرية في الحركة عام 2018، تم عزل برادر من لجنة المفاوضات التي كانت تخوضها الحركة مع الولايات المُتحدة.
أما سراج الدين حقاني، المُعين وزيراً للداخلية، فهو نجل جلال الدين حقاني، مؤسس شبكة حقاني المُتشددة، التي خاضت صراعاً أثناء الغزو السوفياتي لأفغانستان (1979-1989)، وكانت من أهم الجماعات التي تتلقى العون العسكري والسياسي من الولايات المُتحدة.
تولى وزير الداخلية الحالي زعامة الشبكة خلفاً لوالده الذي توفي في العام 2018، وصار يقود قرابة عشرين ألفاً من مقاتليها المُستقلين والمهنيين، ينحدرون بأغلبيتهم المُطلقة من شرق باكستان.
يتهم الناشطون الأفغان أعضاء شبكة حقاني بكونهم الجناح المتشدد من المقاتلين، أكثر من حركة طالبان نفسها. ويتخوفون من استلام حقاني لمنصب وزير الداخلية. خصوصا وأن كل الوزارات كانت لشخصيات من شبكة حقاني، ومن عائلة زعيمه التقليدي والد وزير الداخلية.
فرئيس الاستخبارات هو نجيب الله حقاني، الذراع الأيمن لوزير الداخلية منذ سنوات وأحد أقاربه. كذلك فإن شقيقه خليل حقاني تم تعينه وزيراً للمهجرين، أي الشخص الممسك بملف قرابة ستة ملايين أفغاني في الخارج.
ما لاحظه المراقبون هو تعيين ملا نور الله وزيرا للقبائل، وهو الذي كان يخوض حوارا معها من سنوات، وما يدل على استمرار الحركة في مراعاة علاقتها معهم، وتأسيس شراكة مستمرة للسيطرة حسب تلك العلاقة.
أما رئيس الاستخبارات الجديد، الملا عبد الحق وثيق، فقد كان مُقاتلاً سابقاً في صفوف الحركة، وأعتقل أثناء مرحلة الغزو الأميركي، وبقي مُحتجزاً في مُعسكر غوانتانامو لسنوات طويلة، إلى أن تم إطلاق سراحه في عملية تبادل نادرة بين الحركة والولايات المُتحدة خلال مرحلة حُكم إدارة الرئيس أوباما، إذ أطلق سراح وثيق إلى جانب أربعة قيادات عسكرية أخرى من الحركة، مقابل إطلاق سراح الجندي الأميركي السرجنت بو بيرغدال، الذي كانت حركة طالبان قد اختطفته خلال العام 2009.
أما أبرز المفاجئات في إعلان الحكومة الجديدة، فهو عدم تعيين المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد وزيراً للإعلام كما كان متوقعاً. كذلك تعيين حاجي محمد إدريس قائماً بأعمال محافظ البنك المركزي، وهو شخص ليس لديه أية خبرة مالية أو اقتصادية. لكن الناطق الرسمي باسم الحركة أعلن أن حكومته ستعين عدداً من وكلاء الوزراء والخبراء في الوزارات المشكلة.
كذلك كان ثمة عدد من الملالي في وزارات مهنية، مثل الملا هدايت بدري لوزارة المالية، والملا قادري الدين حنيف للاقتصاد، مما يعني أن الحياة الاقتصادية سيكون مسيطراً عليها من الحركة مباشرة.
الأمر نفسه تعلق بوزارة التعليم، عبر تعيين شيخ نور الله منبر المحافظً وزيراً لها، مما قد يدهور أحوال التعليم لأكثر من عشرة ملايين طالب أفغاني.