في تحرك استثنائي لأكبر أحزاب المعارضة التركية، وصل وفد من حزب الشعب الجمهوري برئاسة نائب رئيس الحزب إلى مدينة أربيل عاصمة إقليم كُردستان العراق، وأجرى سلسلة من اللقاءات مع القادة السياسيين في الإقليم، وعلى رأسهم زعيم الحزب الديمقراطي الكُردستاني مسعود بارزاني، ورئيس وزراء حكومة الإقليم مسرور برزاني.
زيارة وفد أكبر أحزاب المعارضة التركية، والذي تألف من نائب رئيس الحزب أوغوز صالحي، وكبير مستشاري رئيس الحزب أونال تشفيكوز والقيادي في الحزب نيفاف بيليك، تبدو ملفتة للانتباه، حيث تأتي بعدما أشارت استطلاعات الرأي في تركيا إلى تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، مقابل تصاعد شعبية حزب الشعب الجمهوري.
وفي مثل تلك الظروف، تبرز أصوات الناخبين الأكراد في تركيا لتصبح حاسمة في تحديد الحزب الذي سيقود تركيا خلال السنوات القادمة.
المراقبون أشاروا إلى أن الزيارة تأتي على العكس من التوجه التقليدي لإقليم كردستان العراق، وبالذات الحزب الديمقراطي الكُردستاني، أكبر أحزاب الإقليم، الذي يملك علاقات وطيدة مع حزب العدالة والتنمية، وزعيمه رجب طيب أردوغان.
كذلك فإن الزيارة لا تتطابق مع الخيارات المُعتادة لحزب الشعب الجمهوري، ذي التوجهات القومية "الأتاتوركية"، حيث كان يملك موقفاً روتينياً حاداً من المسألة الكُردية، داخل تركيا وفي المُحيط.
البيان الرسمي الذي أصدره مكتب زعيم الحزب الديمقراطية الكُردستاني مسعود بارزاني بعد اللقاء، أشار إلى أن نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري أوغوز صالحي أكد خلال اللقاء "أن المطالبة بالديمقراطية ستكون عاملاً مهماً لتغيير المنطقة، وبالتالي من المهم أن تكون للقوى المؤيدة للديمقراطية في المنطقة علاقات ودية باسم العدالة والتقدم"، وهي إشارة إلى أن الحزب قد يتخذ موافقاً أكثر تقدماً من المسألة الكُردية داخل تركيا، وفي الإقليم.
حسب نفس البيان، فإن بارزاني قد شدد على "أن مصائر شعوب المنطقة مترابطة، فالأفضل للعيش معا في سلام وأخوة لحل مشاكلهم وترك لغة الإنكار جانباً. إن أفضل شيء لجميع الأطراف هو التعلم من تجارب الماضي لخدمة السلام والتعايش بين الشعوب".
تغيير استراتيجي
الكاتب والباحث الكُردي العراقي درباز حمه، شرح في حديث مع "سكاي نيوز عربية" التغيرات التي يحاول حزب الشعب الجمهوري التعبير عنها، كتهيئة لاستراتيجيته السياسية خلال السنتين القادمتين "منذ أكثر من عشرة سنوات، وبعد أن حل كمال كليجدار أوغلو ذو الأصول الكُردية في زعامة الحزب، بعد سنوات من حُكم القومي المُتشدد دنيز بايكال، فإنه أحدث تغييرات ضمن البنية العقائدية للحزب، لكنها لم تصل لدرجة الاعتراف السياسي بالأكراد داخل تركيا وخارجها كشركاء".
ويشير حمه إلى أنه خلال السنتين الماضيتين حدث نوع من الشراكة السياسية غير المُعلنة بين حزب الشعب الجمهوري والأكراد في تركيا.
"فبسبب الدعم الكُردي تمكن حزب الشعب الجمهوري من إحراز نصر استثنائي على حساب حزب العدالة والتنمية في كافة المُدن الكُبرى في تركيا خلال الانتخابات البلدية الأخير".
كذلك أسس الحزب ما اسماه (لجنة الجنوب) للسماع للوجهاء الأكراد في البلاد، وشارك زعماؤه في بعض المناسبات الثقافية الكُردية، وأعلنوا رفضهم لحبس الزعماء السياسيين الأكراد، وعلى رأسهم زعيم حزب الشعوب الديمقراطية صلاح الدين دميرتاش.
وبحسب حمه، فإن "زيارة كردستان تعد نوعا من ذلك المسعى لأن يتبنى الحزب سياسة كُردية أكثر موضوعية، متطلعاً إلى إزاحة حزب العدالة والتنمية من سدة حُكم البلاد".
استطلاعات الرأي الأخيرة في تركيا أشارت إلى أن تحالف قوى المعارضة التركية، التي يترأسها حزب الشعب الجمهوري، متفوق نسبياً على التحالف الحاكم.
ومع ذلك لا يستطيع أي من الطرفين نيل نسبة 50 في المئة من مجموع أصوات الناخبين، وأنهما بحاجة إلى أصوات الكُتلة الكُردية في البلاد، التي تُقدر بحوالي 17 في المئة من مجموع الناخبين.