بعد أسبوعين كاملين على سيطرة حركة طالبان على العاصمة الأفغانية كابل وباقي المُدن، ما تزال المحال الخاصة ببيع الآلات والمواد الموسيقية مغلقة في جميع أنحاء البلاد، ولا يُمكن مشاهدة أي من الهواة يمارسون العزف الموسيقي في الشوارع، كما كانوا يفعلون سابقاً.
كذلك توقفت الإذاعات المحلية التي ما تزال تعمل عن بث أية أغاني أو مقاطع موسيقية، ويفرض على الأهالي عدم صدور أية أصوات موسيقية عن منازلهم وسياراتهم.
المتحدث الرسمي باسم الحركة ذبيح الله مجاهد، والذي يُعتبر جهة مرجعية بالنسبة للنوايا المستقبلية لحركة طالبان، والشخصية الأوفر حظاً لتولي منصب وزير الثقافة والإعلام في أفغانستان، ذكر في حوار إعلامي مع صحيفة أميركية، أن الحركة سوف تحظر جميع أشكال الموسيقى، مضيفاً أن ذلك أمر عقائدي بالنسبة لحركته "الموسيقى حرام في الإسلام"، منوهاً إلى أن الحركة سوف تسعى لإقناع المواطنين بذلك.
مخاوف المراقبين تتأتى من السلوكيات السابقة التي انتهجتها الحركة أثناء حُكمها لأفغانستان (1996-2001)، حيث كانت تحظر تماماً كُل أنواع الموسيقى، بما في ذلك الأغاني الشعبية التي لا تستعمل آلات موسيقية.
وكانت أفغانستان قد شهدت "نهضة موسيقية" خلال السنوات الماضية، حيث أعيد إنتاج الآلاف من الأسطوانات الموسيقية، وصعد العشرات من الفنانين الجُدد، واستعاد الكثير من الأفغان أجواء الحريات العامة التي كانت في الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم.
برهام أمنيدور، طالب في المعهد الوطني الأفغاني للموسيقى في العاصمة كابل، يشرح في حديث مع "سكاي نيوز عربية" أحوال الطلبة والمحترفين الموسيقيين في البلاد "لا يزال المعهد مُغلقاً منذ سيطرة الحركة على العاصمة، وجميع الطلبة والمُدرسون متوارون عن الأنظار، خشية أن يُطلبوا للتحقيق. الأمر نفسه يخص المئات من الخريجين الذي كانوا طلاباً في المعهد خلال السنوات الماضية، فالمعهد يستقبل الطلاب منذ أكثر من أحد عشر عاماً".
يتابع أميندور حديثه قائلاً: "الأمر نفسه ينطبق على العشرات من المدارس الموسيقية المتوسطة والمحلية في مختلف مُدن البلاد، خصوصاً في مدينة مزار شريف التي كانت تُعرف بكونها عاصمة الموسيقى في أفغانستان".
رُعب الموسيقيين الأفغان بدأ منذ أن اُغتيل المُطرب الشعبي الأفغاني الشهير فؤاد أندرابي، حينما دخل 5 مقاتلين إلى مزرعته الخاصة شمالي العاصمة كابل، وحققوا معه لقرابة ساعة، ثم أطلقوا النار على رأسه، وذهبوا لتفتيش بيته وتحطيم كل آلات فرقته الموسيقية.
حركة طالبان التي وعدت وقتئذ بالتحقيق في الحادثة، لم يصدر عنها أي تعقيب آخر منذ ذلك الحين، بالرغم من إلحاح الجهات الإعلامية أثناء المؤتمرات الصحفية للحركة. لكن الناشطين الأفغان ذكروا أن حادثة الفنان الشعبي أندرابي ليست الوحيدة، وأن معظم الفنانين الشعبيين في البلاد إما متوارون أو لاجئون لدى زعامات محلية في مناطق سيطرتهم.
الناشطة المدنية الأفغانية بيناهي ألمظ ذكرت في حديث مع "سكاي نيوز عربية" مخاوف الموسيقيين الأفغان خلال المرحلة القادمة: "خلال السنوات الماضية تمكن الآلاف من الموسيقيين والخبراء الأفغان من تكوين بنية تامة للموسيقى في أفغانستان. كان ثمة معهد عالي وفرقة سيمفونية ومسارح وإنتاج موسيقي وسوق لها، هذا إلى جانب المدراس التحضيرية والنشاطات المدرسية ورفع سوية الوعي الموسيقي".
تتابع ألمظ حديثها قائلة: "بالرغم من وعود حركة طالبان بتغيير سلوكها عما كانت عليه من قبل، إلا أن مساراً مشابهاً لما تمارسه الآن سيدفن جميع تلك المؤسسات، وسيخلق رعباً من الموسيقا، ويدفع الآلاف من الموسيقيين الشُبان والخبراء للهجرة من البلاد أو التصفية. وهو أمر سيعني عملياً العودة إلى نقطة الصفر التي كانت منذ عشرين عاماً".