فيما تزداد الشكوك في مصداقية حركة طالبان وتعهدها بتشكيل حكومة أفغانية تضم جميع الأطراف السياسية في البلاد، فإن مخاوف داخلية ودولية تتصاعد بشأن نوعية المحاكم والقضاء الذي ستكرسه الحركة داخل البلاد، وإمكانية إنهاء ذلك لمؤسسات وأجهزة القضاء "المدني" التي أقرها الدستور الأفغاني عام 2004، وعمل ودرب ووظف في سبيله ما لا يقل عن 20 ألفا بالقطاع القضائي، من قضاة ومدعين ومحامين.
ويواجه هؤلاء الآن تهديدا بالطرد من وظائفهم، والكثير منهم قد يواجه مخاطر عقابية، لأنهم نشطوا خلال فترات سابقة في مقاضاة أو محاكمة عناصر من حركة طالبان.
وتتراكم تلك المخاوف لأن الحركة قد تعيد فرض أحكامها وقوانينها المتشددة، التي طبقتها أثناء فترة حكمها لمعظم مناطق أفغانستان بين عامي 1996 و2001، خصوصا في مجال حقوق المرأة والحريات المدنية والإعلامية، وضمانات الملكيات، والعقوبات الجسدية، وإمكانية مقاضاة المؤسسات العامة والجهات الحاكمة.
في ذلك الإطار، دعت الحكومة البريطانية في بيان رسمي، تلقت "سكاي نيوز عربية" نسخة منه، إلى إنقاذ حياة المئات من القضاة والمدعين العامين في أفغانستان، الذين يواجهون خطرا داهما.
وقال البيان: "من الضروري أن يتمكن جميع أولئك الذين يعملون على حماية الحريات الأساسية، المحامون والقضاة وجميع العاملين في نظام العدالة، من العيش والقيام بواجباتهم المهنية بشكل مستقل، دون قلق من التخويف أو التهديد لسلامتهم".
وتابع: "حكومة المملكة المتحدة تؤكد على أن الوضع خطير الذي يواجهه المحترفون القانونيون في البلاد. نحن قلقون بشكل خاص على سلامة 270 قاضية و170 محامية ومدعية عامة".
كندا بدورها، وعبر اتحاد جمعيات القانون الكندية، عبرت عن قلق بالغ مما يتعرض له القطاع القضائي في أفغانستان، إذ أصدر الاتحاد بيانا ناشد فيه الحكومة الكندية بأن يكون ذلك "معيارا لأي اعتراف أو تعاون أو مساعدة قد تقدمها لأية حكومة أفغانية مستقبلية".
وأضاف: "تشير التقارير الإخبارية الأخيرة إلى أن العديد من الأفراد الذين استثمروا في الإدارة الناجحة للعدالة في أفغانستان، سواء كانوا قضاة أو محامين أو غيرهم من أصحاب المصلحة في نظام العدالة، يتعرضون للتهديد".
نقيب المحامين المستقلين الأفغان، روح الله قره زاده، ناشد الجمعية القانونية الأسكتلندية مساعدته مع زملائه القانونيين في وضعهم الكارثي الذي يعيشونه. الجمعية بدورها أرسلت طلبا للحكومة لتذكرها بـ"جهود التعاون التي أبداها القانونيون الأفغان مع القوى والحكومات الدولية".
وقالت الجمعية: "السيد قره زاده، مثل الكثيرين، بحاجة إلى دعم قانوني وهو ناقد صريح لطالبان والجماعات المماثلة. يشعر السيد قره زاده بالقلق من أن المئات من مهربي المخدرات الذين تم وضعهم بالسجن نتيجة لجهوده، تم إطلاق سراحهم من قبل طالبان منذ ذلك الحين".
القاضي الأفغاني الأسبق حميد زلفشاه، المقيم راهنا في فرنسا، والذي تتهمه حركة طالبان بإصدار المئات من الأحكام ضد عناصرها، يشرح في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، أحوال زملائه في القطاع القضائي في البلاد.
وقال: "كانت طالبان تخوض عملا مسلحا ضد الحكومة لقرابة 20 سنة، وكنت مع مئات القضاة الآخرين نقاضي الملفات التي تعرض أمامنا حسب القانون والدستور العام في البلاد، الذي كان يعتبر الحكومة هي الجهة الوحيدة الشرعية والمحتكرة للسلاح، وبناء على ذلك كنا نصدر أحكامنا. تلك الأحكام التي تعتبرها طالبان بمثابة أعمال عدوانية ضدها، لذا فإن لديها نوايا انتقامية تجاهنا".
واختتم زلفشاه حديثه، قائلا: "لا يُتوقع أن تكون أعداد القضاة والمدعين العامين الذين تمكنوا من مغادرة البلاد قد تجاوز نسبة 10 بالمئة، أما البقية فيعيشون في حالة رعب شديدة، بالرغم من العفو العام الذي أصدرته الحركة، لكن الكثير من الأمثلة تقول إنه على الأقل ثمة عشرات حالات الانتقام التي قد تطالهم".